الأحد، 29 نوفمبر 2020

بين عبد الله ابراهيم وغيفار

 

بين عبد الله ابراهيم وغيفارا

عندما أقام تشي غيفارا في حي المعاريف في الدار البيضاء-

كاتب مغربي

في نهاية الخمسينيات، قام وفد على مستوى عال برئاسة وزير الاقتصاد والمال في الجمهورية الثورية، بزيارة رسمية للمغرب، ولم يكن الوزير الكوبي غير تشي غيفارا. وكان صديقي عمر الغالي، الذي اشتغل لاحقاً في شركة توزيع الصحف "سوشبريس"، من مرافقي غيفارا خلال زيارته للرباط.



في رسالة بعث بها تشي غيفارا إلى زوجته إلييْدا مارش،
بعد توقفه في المغرب يوم 21 حزيران/ يونيو 1959، على عهد حكومة الأستاذ عبد الله إبرهيم، (وله مع غيفارا صورة شمسية متداولة) خلال الجولة التي قادته إلى بعض الدول الإفريقية، يقول فيها:

"من آخر مرحلة في هذا السفر أبعث إليك بأصدق سلام زوجي. فكرت أن أبقى وفيا لك بتفكيري، بيد أن هنا فتيات مغربيات يخلبن الألباب".

ومع أن تشي غيفارا كان قد مر في تلك الأيام بالجزائر وهي تحت نير الاحتلال الفرنسي وفي خضم المقاومة الشعبية التي قادتها جبهة التحرير ضد هذا الاحتلال، إلا أن ذلك لم يخلف في نفسه، على الأقل، من خلال قراءة رسالة أخرى بعثها إلى مارش من الدولة المجاورة، أي أثر لتلك الإشارة التي تذهب بالقارئ إلى الإغراء الذي تثيره المرأة المغربية في ما يبدو.

تعرف غيفارا على عدد من المغاربة، منهم عبد الله إبرهيم رئيس الحكومة، والزعيم المهدي بن بركة رئيس مؤتمر القارات الثلاث، وعبد الكريم الخطابي في منفاه القاهري. وأيضا على شاب آخر استجوبه في حديث صحافي لأسبوعية "ليبراسيون" المغربية، ولم يكن هذا الشاب غير محمد اليازغي الذي صادف غيفارا في ندوة دولية عن الاشتراكية احتضنتها جزائر بومدين في الستينيات، وحضرها مناضلون من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

عندما التقى الثائر الأممي المجاهد عبد الكريم الخطابي في أمسية من أماسي ليل القاهرة الوردي، كانت مناسبة تكلم فيها الرجلان بلغة سيرفنتيس عن الثورة والثوار، واعترف غيفارا للخطابي بأنهم في الثورة الكوبية استفادوا من خططه في حرب الريف، واصفا الخطابي بكونه مخترع حرب العصابات La guérilla ، ويقال إن غيفارا لما كان في الطائرة التي مرت فوق جبال الريف في طريقه إلى الجزائر، أعجب بتضاريس المنطقة، التي ذكرته بالسيرامايسترا مهد الثورة في كوبا.

بعد ابتعاده عن نظام رفيقه فيديل يكاسترو، شد الثائر الأرجنتيني الرحال في جولة ثورية سرية إلى مكان ظل مجهولاً لحقبة من الزمن، رغم أن المخابرات الأميركية كانت تقتفي آثاره المضللة. من ضمن أماكن غيفارا السرية كان أحد المنازل السفلية البسيطة في حي المعاريف في الدار البيضاء. لقد استعاد غيفارا ذكرى لقائه والخطابي ومروره فوق جبال الريف، واعتقد أنها مؤاتية لخلق "البؤرة الثورية"، وراودته فكرة بدء الثورة العالمية من ريف المغرب.

قصد الكومندنتي الدار البيضاء متخفياً، بجواز سفر مزور وشخصية من شخصياته المتعددة والتي كُشف عنها لاحقا بعد اغتياله في أحراج بوليفيا في تشرين الأول/  أكتوبر 1968.




كانت في حي المعاريف نسبة لا بأس بها من عائلات الروخو (الشيوعيون الحمر)، ممن لجأوا إلى المغرب بعد هزيمة الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية، من بينهم واحد من رفاق غيفارا المخلصين، الذي فتح باب منزله لـ"واحد من عائلته"، كما قدمه لجيرانه.

ومما جاء في دفتر نادر من يوميات هذا الإسباني الأحمر، أن الكومندنتي عكف على درس البلد انطلاقا من حي المعاريف. وربما زار منطقة الريف، بعيدا عن أعين المخابرات الأميركية وأجهزة الكولونيل أوفقير. لكنه بعد ثلاثة أشهر ونيف، ومن خلال مناقشاته مع مضيفه البيضاوي اقتنع بصعوبة نجاح مشروعه الثوري الكبير انطلاقا من بلد عربي مسلم، فقرر تغيير الاتجاه إلى الكونغو زائير، حيث التقى المغامر لوران كابيلا الذي سيخونه، ويجعله يكفر بإفريقيا ومجاهلها، لذلك قفل عائدا إلى أميريكا اللاتينية، إلى بوليفيا، محتضناً حلمه الثوري الذي تراءى له في لحظة أنه سيصبح "شجاراً عقيماً في حانة!". لكن غيفارا سيتعرض للخيانة الكبرى من الفقراء الذين يناضل من أجلهم، وهي المكيدة التي أوقعته بيد المخابرات الأميركية، وانتهت بإعدامه وطي مغامرته الثورية. ألم يصف الرئيس المصري جمال عبد الناصر تشي غيفارا بعدما استقبله في القاهرة بـ"طرزان"؟!



قبل أعوام أطلقت بلدية المعاريف في مدينة الدار البيضاء ساحة باسم الشهيد المهدي بن بركة (قرب السوق البلدي، غير بعيد عن المخبأ السري لرفيقه غيفارا)، واليوم تبدو أسباب النزول منطقية، وتسمية أحد شوارع الحي البيضاوي باسم أرنستو تشي غيفارا، سيمتن الأواصر بين المغرب وكوبا.

كوبا التي تحتضن عاصمتها شارعا باسم المهدي بن بركة ونصباً كبيراً له في أهم ساحاتها الفيحاء..






نصب بن بركة في الساحة التي تحمل اسمه في هافانا.


تشي غيفارا ورئيس الحكومة المغربية الراحل عبدالله ابرهيم في الدار البيضاء.




المهدي بن بركة وسط الصورة وفيدل كاسترو صيف 1965.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق