ولد محمد الزغاري سنة 1902 بمدينة فاس، وسط أسرة ميسورة. وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية، التحق بثانوية مولاي إدريس، هناك ظهرت عليه أعراض الزعامة، إذ انتخب رئيسا لأول جمعية أنشئت بالمغرب لقدماء تلاميذ ثانوية مولاي إدريس، وهي الإطار الجمعوي الذي تحول، مع مرور الوقت، إلى وعاء للحركة الوطنية، حيث كان الزغاري عاشقا للمسرح، خاصة المسرحيات التاريخية، وغالبا ما كان يخصص ريعها لفائدة الجمعية والمعوزين من تلاميذ المدارس.
انتقل محمد إلى باريس ضمن بعثة طلابية مكونة من فرنسيين ومغاربة وجزائريين، هناك نافس بقوة من أجل الحصول على شهادة عليا على الرغم من صعوبة تأقلمه مع أجواء الغربة. ولم يكن الفتى يعلم أنه سيعود إلى العاصمة الفرنسية، بعد ربع قرن، ليمارس مهمة سفير للمملكة المغربية في فرنسا.
في أواخر سنة 1943، أشرف محمد الزغاري، بمعية صفوة من رجالات الحركة الوطنية، على وضع الصيغة النهائية لوثيقة المطالبة بالاستقلال، بمنزله الذي كان مقرا للاجتماعات المتتالية والمنتظمة إبان فترة الإعداد لها. وفي سنة 1944، كلف محمد الزغاري مع الفقيه غازي وعمر بن عبد الجليل ومجموعة من الوطنيين، بمهمة تبليغ نسخة من الوثيقة المطلبية إلى الإقامة العامة الفرنسية، وسلموها فعلا إلى الوزير المفوض في غياب المقيم العام الفرنسي، فكان نصيبه الاعتقال بسجني فاس والجديدة.
ولأن الزغاري كان من أوائل المغاربة الحاصلين على شهادات جامعية، فقد جالسه محمد الخامس وولي عهده الحسن الثاني برفقة البكاي بن مبارك الهبيل، بالقصر الملكي في جلسة لمناقشة التشكيلة الحكومية.
تقلد الزغاري عدة مناصب حكومية هامة بعد الاستقلال، حيث عين نائبا لرئيس الحكومة سنة 1955، ثم وزيرا للدفاع ووزيرا مكلفا بالتنمية. وفي سنة 1957 عين سفيرا للمغرب في باريس، ومديرا للمكتب الشريف للفوسفاط، ثم محافظا لبنك المغرب، وهو المنصب الذي ظل فيه إلى أن توفي في سنة 1969
******
تعليق1
مُنحت وزارة الدفاع الوطني إلى محمد الزغاري، الذي كان في الحكومة الأولى نائبا للبكاي.
الزغاري الذي ينحدر من أسرة تعرف «المخزن» جيدا وتعرف غضباته، كان في الحقيقة يجلس إلى كرسي الوزارة دون أن يتوفر على أي وثائق. حتى أن قادة الجيش الملكي الفعليين كانوا يجتمعون بولي العهد بصورة شبه يومية لتسليمه التقارير السرية للجيش، والتي يسلمها بدوره إلى والده. بينما وزير الدفاع الوطني كان مغيبا تماما عن العملية.
تعليق 2
قبل وفاة محمد الزغاري ببضع ساعات، قام الحسن الثاني بعيادته، وقيل إن الأخير زاره حين كان يعاني سكرات الموت، «ما كاد يشعر بأن ملك البلاد واقف على رأسه حتى أفاق من غيبوبته، وسرت البقية الباقية من الحياة في شرايينه، وأشرق وجهه، ثم اندفع قائلا في صوت جهوري: أخوف ما كنت أخاف يا مولاي أن أموت دون أن أراك.. الحمد لله.. الحمد لله.. لقد شفيت الآن.. لقد برأت من كل مرض.. حفظك الله ورعاك. وهو المشهد الذي استغرب له الأطباء والأقارب».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق