محاولة اغتيال ولي العهد الحسن التي سرعت بإسقاط حكومة عبد الله إبراهيم
محمد الخامس يصدر عفوه عن المتهمين من أجل التخفيف من الاحتقان
أحمد امشكحنشر في المساء يوم 31 - 07 - 2013
ظل عبد الله إبراهيم يدرك بأنه لا يملك كل السلطات التي يفترض أن تكون تحت إمرته بالنظر إلى التركيبة التي تضمها هذه الحكومة، و
التي كانت موزعة بين ثلاثي مناضلي يسار حزب الاستقلال، وبعض المستقلين. فيما الضلع الثالث كان يضم وزراء يدينون بالولاء لولي العهد الأمير مولاي الحسن، وفي مقدمتهم وزير البريد الجنرال محمد المدبوح، ووزير الداخلية المحمدي. وكان واضحا أن قوات الأمن والجيش توجد تحت مسؤولية الأمير. لذلك وجد عبد الله إبراهيم نفسه في وضع حرج حينما تجرأ مدير الأمن الوطني على اعتقال كل من عبدالرحمان اليوسفي، والفقيه البصري، وهما يشرفان على جريدة التحرير، بتهمة المس بالمقدسات في شهر دجنبر 1959.
ومباشرة بعد مرور شهر أقدم البوليس هذه المرة على اعتقال مجموعة معروفة من المقاومين. والتهمة هذه المرة هي محاولة اغتيال ولي العهد الأمير مولاي الحسن.
لقد نشرت «ليفار»، وهي جريدة أحمد رضا اكديرة، بعناوين بارزة ما اعتبرته تفاصيل اغتيال ولي العهد. وجند لها اكديرة، مدير ديوان ولي العهد، حملة إعلامية كبيرة، مما عرض المقاومين لتعذيب شديد.
لم يكن المتهم الرئيسي لهذه العملية غير بنحمو الفاخري، الذي كان يرأس فريق نجم الشباب البيضاوي لكرة القدم، حيث تحدث البعض عن أن العملية كانت ستتم ب»سطاد فيليب» بقلب الدار البيضاء حيث كان ولي العهد يحضر مباريات فريقه المفضل الوداد الرياضي، قبل أن يؤسس بعد ذلك فريق الجيش الملكي.
وخلال عملية الاستنطاق، التي شملت عددا كبيرا من المقاومين، كان ولي العهد يقترح على مدير الأمن إضافة مقاومين آخرين لانتزاع الاعترافات منهم عن طريق التعذيب.
كان لا بد لهذه الحملة من الاعتقالات أن تثير الاستنكار لأنها بنيت على شهادة شهود لم يتأكد المحققون في أمرها. وكانت أولى الخطوات هي أن قدم محمد بلعربي العلوي استقالته من مجلس العرش، الذي كان عضوا به، إلى الملك محمد الخامس، احتجاجا على اعتقال مقاومين كان لهم الفضل في الاستقلال وإعادة الملك إلى عرشه. كما وقعت ردود فعل قوية من لدن ساكنة كل من مراكش ونواحيها وبني ملال. كما وقعت عدة اغتيالات للأعوان والبوليس، الذين أشرفوا على تعذيب المقاومين.
غير أن الملك محمد الخامس، الذي فهم خلفيات العملية وأدرك أن مقربين من الأمير مولاي الحسن هم من حرك هذه القضية فقط لضرب حكومة عبد الله إبراهيم والتشويش عليها، سيصدر قرارا بالعفو على هؤلاء المعتقلين من أجل التخفيف من الاحتقان، الذي خلفته هذه الحملة في نفوس شرائح مهمة من المقاومين، على الرغم من أن أصداءها لم تنقطع، بل مست مركز الثقة بين الملك والمقاومين.
كان دور الجنرال المدبوح قويا في هذه العملية بالنظر إلى مهمته كوزير للبريد يقال إنه توصل بالمعطيات التي تدين المتهمين في محاولة اغتيال الأمير، عن طريق التنصت على المكالمات الهاتفية بين المعنيين بالقضية.
لقد كان للمدبوح في حكومة عبد الله إبراهيم وضع خاص يستمد قوته من قوة الأمير مولاي الحسن. فقد كانت التقاليد تفرض لدى دعوة الوزراء إلى القصر الملكي لأداء اليمين أن يطلب منهم ارتداء بذلة قاتمة وطربوشا حمراء، في الوقت الذي كان الملك محمد الخامس يرتدي الجلباب التقليدي. غير أن وزراء آخرين من أمثال محمد الفاسي، والمختار السوسي، والحاج محمد باحنيني، ظلوا يحافظون على الجلابيب والبرانس. وحده الجنرال محمد المذبوح حافظ على زيه العسكري باعتباره أول عسكري يتقلد منصبا وزاريا في غير إدارة الدفاع، وهي وزارة البريد والتلغراف والتليفون.
وقد جاء تعيين المذبوح في الوزارة بعد أن شغلها قبله اليهودي الدكتور بن زاكين، المتحدر من أصول مغربية، ثم الوزير محمد عواد، الذي سيصبح مستشارا للحسن الثاني في ظرفية دقيقة. وقد كان المذبوح العسكري الوحيد الذي شغل منصبا مدنيا في حكومة عبد الله إبراهيم، التي انتقلت فيها وزارة الدفاع إلى محمد عواد. وقد عرف عن المذبوح، آنذاك، أنه يرتبط بعلاقات مع كل الأطراف، وإن كان أقرب إلى محيط القصر قبل أن تخامره نوايا الانقلاب ضده، كما سيحدث في الصخيرات في 1971.
كان وجود المذبوح في تلك الحكومة مثار تساؤلات، إلا أن الأهميةالتي كانت تعطى لقطاع البريد في تلك الفترة جعلت كافة الشركاء يقبلون بوجوده. غير أنه قبل الإطاحة بتلك الحكومة، التي كان يروق للملك الحسن الثاني أن يصفها بأول تجربة تناوب لم تكتمل، سيتم الإعلان في فبراير من سنة 1960 عن إحباط محاولة الاغتيال التي كانت تهدف شخص ولي العهد الأمير مولاي.
لعب الجنرال محمد المذبوح دورا أساسيا في الإعلان عن كشف تلك المحاولة، لدرجة أن ولي العهد كان مقتنعا بكل التفاصيل التي توصل إليها، والمعلومات التي توفرت لديه من طرف الجنرال المذبوح، أنه كان مستهدفا. وقد أوعز في تلك المرحلة إلى الدكتور عبد الكريم الخطيب، الذي كانت له علاقات مع شخصيات في المشرق العربي، تتبع خيوط تلك المحاولة، التي كشف عن بعض تفاصيلها رجل من الشرق الأوسط مقابل مبالغ مالية.
وقد أفادت بعض المعلومات التي توفرت للمحققين أن المتهمين كانوا يتوفرون على خرائط تبين تحركات استهدفت القصر الملكي في داخله، مما أغضب الأمير مولاي الحسن. لذلك سيلعب الجنرال المذبوح مباشرة بعد هذه القضية، دور أرنب سباق للإطاحة بحكومة عبد الله إبراهيم، حينما جاء ينتقد الظروف التي يتم فيها العمل داخل الحكومة، قبل أن يضع استقالته رهن إشارة الملك الراحل محمد الخامس.
وجد الأمير بعد أن خلا له الجو الفرصة الذهبية لفتح سيرة جيش التحرير، حيث اتهم حكومة عبد الله إبراهيم بمحاولة السطو عليه وجعله في خدمة الحزب وليس في خدمة الدولة. لذلك سيستثمر خصوم حكومة عبد الله إبراهيم قضية وفاة المسعدي وربط ذلك بالمهدي بنبركة، ليصفي الأمير حسابا قديما مع أستاذه في الرياضيات.
وفي كتابه ذاكرة ملك» سيخصص الحسن الثاني ثلاث صفحات كاملة لهذه القضية. وهو ما يبرز الأهمية التي ظل يوليها لهذا الموضوع. ويحكي الحسن الثاني، كيف أنه ربطته علاقة صداقة بشخص اسمه الحجاج الذي اعترف له بأنه قتل المسعدي بأمر من المهدي بنبركة. غير أن هذه الاتهامات، التي يؤكدها عبد الكريم الخطيب، أحد رجال المقاومة البارزين، وأحدالمخلصين للحسن الثاني، يرفضها رفضا قاطعا وبشدة محمد عواد، الذي كان لمدة خمس عشرة سنة كاتبا خاصا للمهدي بنبركة، وموثق حزب الاستقلال قبل الانشقاق. ويضيف عواد، حسب ما كتبه واتربوري، أن بنبركة ظل يندد بكل الاغتيالات ويأسف لها كثيرا، قبل أن يضيف على لسان عواد أن الفقيه البصري الذي كان يحظى باحترام المهدي، هو من يكون قد قام بتصفية المساعدي. أما خلفية كل هذا فهو أن المهدي بن بركة اتهم بأنه كان يرغب في أن يحتفظ جيش التحرير باستقلاليته وبهياكله، وألا يلتحق ب»جيش الملك». لذلك كان لا بد أن يتحرك الأمير لاستغلال هذا الوضع ويدفع بأبيه لإقالة حكومة اليسار، كما ظل يسميها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق