الأحد، 3 يناير 2021

شيخ العرب .. المقاوم الشرس الذي فضل الاشتشهاد على الاستسلام

شيخ العرب .. المقاوم الشرس الذي فضل الاشتشهاد على الاستسلام

 تمازيرت بريس

قادما من سوس بأكوليز بضواحي طاطا، التحق أحماد إبراهيم أكوليز (إسمه الحقيقي أحمد فوزي واشتهر بلقب «شيخ العرب) بالرباط، حيث كان أبوه يعمل في محل لبيع المواد الغذائية سنة 1939، وبعد ثلاث سنوات بدأ اسمه يظهر وسط مواطني سوس في الرباط وسلا، وفي الأربعينات كان عمره لايتجاوز 16 سنة.

بدأ نشاطه المسلح ضد الإستعمار مابين 1944 و 1955، حيث التحق بحزب الإستقلال قبل الانخراط في المقاومة منذ منتصف الأربعينات وبرز مؤطرا في المدينة القديمة بالعاصمة ومنطقة مسقط رأسه طاطا التي واجه فيها الاستعمار والعملاء والمخزن. اشتغل كحارس عام بمدرسة جسوس، كما ساهم في تأطير المخيمات الصيفية في جبال الأطلس المتوسط، وكان واحدا من المقاومين في مدينة الرباط أيام الحماية إلى جانب كبار المناضلين.

اعتقل لأول مرة سنة 1953 من طرف سلطات الاستعمار ونفي إلى دوار أكوليز، حيث أجبر على السير على الأقدام من الرباط إلى هناك، وذلك بعد أول عملية إطلاق رصاص نفذتها مجموعة الرباط ضد مقدم بشارع محمد الخامس مباشرة بعد نفي محمد الخامس، وثانيها ضد مدير مدرسة العكاري الذي كان يصدر جريدة موالية لفرنسا، وثالثة ضد حميدو بناني، ثم عاد ليؤطر الخلايا المسلحة بالرباط حيث تعرض للإعتقال ووضع في سجن القنيطرة، حيث أمضى سنتين تقريبا بالسجن ونسب إليه لقب شيخ العرب من طرف زملائه من داخل السجن، وذلك بسبب تدينه وتنظيمه للإضرابات والإحتجاجات ضد إدارة السجن وتعبئة السجناء للدفاع عن حقوقهم.

ذاق أنواعا كثيرة من التعذيب وظل في الاعتقال حتى بعد عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى في نوفمبر 1955 وحصول المغرب على الإستقلال سنة 1956، إذ قضى حوالي 6 أشهر في السجن ثم فر منه بتاريخ 2 ماي 1956، عمل إلى جانب قيادة جيش التحرير في الجنوب مابين 1956 و1960. ويذكر رفاقه أنه حضر لمقابلة  محمد الخامس سنة 1958 وعرض عليه دعما ماليا من أجل إدماج وحدات جيش التحرير في القوات المسلحة الملكية. وقد قبل شيخ العرب هذه المهمة، إلا أن الأبواب ستقفل في وجهه بعد ذلك من طرف بقايا العهد البائد أمثال الجنرال أوفقير.

وقد استطاع بعمله وإيمانه بالعمل المسلح أن يجند المئات من الرجال قي خلايا مسلحة بطاطا والرباط، وكانت له شبكة تضم مقاومين في جيش التحريرالوطني ومناضلين اتحاديين ونقابيين، أسسها كرد فعل على أحداث الريف سنة 1958 و تصفية المقاومة ابتداء من سنة 1959 والإطاحة بحكومة عبد الله إبراهيم في ماي 1960.

وقد قدمت مجموعة شيخ العرب بعد اعتقالها إلى محاكمة مراكش سنة 1967. وسميت بقضية «الحلاوي ومن معه»، حيث بلغ عدد المتهمين 39 ، وكانت التهمة هي الإعتداء على النظام لإحلال نظام محله ومحاولة القتل العمد ، تقديم مسكن لعصابة مسلحة ، المس بسلامة الدولة وتنظيم منظمة سرية شيخ العرب متمرد على السلطات المغربية.

كان شيخ العرب يريد الاستمرار في تحرير باقي الثغور المغربية المحتلة بما فيها الصحراء، وقف ضد الاستعمار الفرنسي والحكومة المغربية على السواء، وقام بقتل بعض أعوان الإدارة في الجنوب سنة 1959 وهو موحا الزموري الذي كان يتابع تحركاته بطاطا ، وهي العملية التي سيحاكم فيها غيابيا بالإعدام من قبل محكمة تارودانت. وهو أيضا من قتل االشرطي الذي قام بقتل الشهيد علال بن عبد الله المدعو أحمد الهواري الملقب ب«لاسورتي كويزة» حيث علم أنه عين عميدا للشرطة بأكادير بعد الإستقلال.

حير شيخ العرب لسنوات مختلف أجهزة الأمن في مرحلة الإستقلال . ورفض منصبا في السلطة سنة 1959. وفي صيف سنة 1963 بعد الاعتقالات التي شملت الاتحاديين والمقاومين سيفر إلى الجزائر وسيواصل بناء الخلايا المسلحة.

وقد ظل شيخ العرب طيلة العشرين سنة (1944- 1964) ثائرا مزعجا، حيث كان يريد الإستمرار في تحرير باقي الثغور المغربية المحتلة بما فيها الصحراء ، وقد وقف ضد الإستعمار الفرنسي والحكومة المغربية على السواء. فهو رجل شجاع ولايهاب أي أحد ، ويجيد التخفي.

وقد اعتقل بمدينة وهران في ظرف لم تتضح كل ملابساته ، فغادرالجزائر ودخل المغرب مع بداية سنة 1964 لتنظيم الكفاح المسلح بالداخل. وقد كان دائم الترحال والتخفي ويده على زناد مسدسه ، لايمنح الفرصة لعناصر الشرطة لمساءلته ، كان ذكيا وشجاعا وقويا لايخشى الموت . فكم مرة قام متنكرا بزيارة السجن المركزي وهو مطارد لرفع معنويات رفاقه المعتقلين، حاصرته قوات الأمن يوم 7 يونيو 1964 وحاولت إقناعه بتسليم نفسه حيا من داخل أحد البيوت وهو مسكن رفيقه أحمد أوزي بحي لارميطاج (بولو) بالدارالبيضاء.

كان يستعمل فيلا لارميتاج لمراقبة إحدى المقرات التابعة لشخصيات سامية من خلال استعمال النظارات الحربية، وعلى إثر وشاية تحركت فرقة من 9 ضباط ومفتشي الشرطة نحو الفيلا ، بتاريخ 9 يونيو 1964 حاصرت الشرطة فيلة بحي لوازيس بالدارالبيضاء حيث كان يوجد شيخ العرب ورفاقه ، وقد كانت مواجهة أخرى أسفرت عن مصرع عميد الشرطة بقسم الإستعلامات ومفتشين للشرطة وهروب شيخ العرب. حيث وقعت الإشتباكات التي قتل خلالها 3 من رجال الشرطة وفرار الآخرين ليغادر شيخ العرب ورفاقه هذه الفيلا .

وقد تمت المواجهة بالرصاص بين شيخ العرب والحلاوي وأوزي من جهة وثلاثة شرطيين من جهة ثانية حيث تمت تصفيتهم وهم الملازم عباس السبكي والضابطين محمد الخطابي وعباس عياد . وبحي سيدي عثمان بلوك 12 رقم 9 كانت مواجهة أخرى حيث تبادل النار بين شرطة أوفقير وشيخ العرب ورفيقه أحمد أزناك أسفرت عن استشهادهما يوم 7 غشت 1964 من طرف أجهزة الأمن العمومي، وكانت فرصة ذهبية بالنسبة لأوفقير ليترقى بعد أيام قليلة ، وتم إقفال ملف شيخ العرب بتصفيته ذلك اليوم.

وحسب مومن الديوري والحلاوي فإن شيخ العرب استشهد برصاصة مسدسه حتى لايسقط في يد الجنرال أوفقير الذي كان حاضرا يوم المواجهة رفقة المدير العام للأمن الوطني وليوتنو كولونيل بوكرين عامل الدارالبيضاء . كما يقال إنه قتل قبل أن يوجه مسدسه نحو رأسه.

دفنت جثة شيخ العرب بتاريخ 27 غشت 1964 بمقبرة سيدي عثمان ، و يحمل قبره رقم 94 بالقطعة رقم 12 والمربع رقم 14.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق