عندما أصدر القضاء حكماً بحلّ حزب مغربي بسبب "الإلحاد"
هسبريس - إسماعيل عزام
منذ ما يقارب على 16 سنة وحزب التقدم والاشتراكية يعتبر من الأطراف الأساسية التي تشكّل الحكومات المغربية، فقد كان حاضراً في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، ثم حكومة إدريس جطو، فحكومة عباس الفاسي، وأخيرا حكومة عبد الإله بنكيران. تواجد قوي ربما لم يكن يتخيله الكثير من المتتبعين لمسار هذا الحزب، خاصة عندما نستحضر أن القضاء المغربي أصدر بعد الاستقلال قراراً يقضي بحل الحزب المذكور لـ"تعارضه مع قيم المملكة".
تعتبر قضية حل الحزب الشيوعي المغربي، الإسم الأسبق لـ"التقدم والاشتراكية"، واحدة من أهم قضايا العمل الحزبي الذي خيّمت على المغرب في فترة ما بعد الاستقلال، خاصة وأن حكومة يسارية ممثلة في تلك التي قادها عبد الله إبراهيم، هي من أصدرت في 10 شتنبر 1959 مرسوماً لتعليق هذا الحزب "تطبيقاً لظهير 15 نونبر المنظم لحق إنشاء الجمعيات"، ممّا جعل إسقاط هذه الحكومة بعد ذلك بسنة تقريباً، يحاكي المثل المشهور" إنما أكِلت يوم أُكل الثور الأبيض".
تأسّس الحزب الشيوعي المغربي 1943، وكانت لديه إسهامات قوية في النضال من أجل استقلال المغرب، إلا أن دوره في الساحة الوطنية بقي ضئيلاً مقارنة مع وجود حزب الاستقلال، وعندما وضع قادته نظامهم الأساسي مارس 1959، لم تنتظر الحكومة طويلاً لتصدر الأمر للشرطة كي تختم بالشمع الأحمر على أبواب مقراته، لتبدأ معركة رفاق علي يعتة مع القضاء المغربي.
ويذكر المحامي الفرنسي موريس بوتان، في كتابه "الحسن الثاني، ديغول، بنبركة: ما أعرفه عنهم"، أن حتى الاشتراكي المهدي بنبركة، ولكي يسهل مأمورية حكومة عبد الله إبراهيم، رفيقه آنذاك في حزب الاستقلال، ثم في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، طلب من قادة الحزب الشيوعي المغربي أن يحلوا حزبهم بيدهم، إلا أنهم رفضوا ذلك.
انطلقت محاكمة الحزب مستندة في ذلك على المادة الثالثة من ظهير 15 نونبر الذي ينصّ على منع كل جمعية تؤسس "لغاية أو هدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي..". التأويلات كانت موجودة، فقد تحدثت السلطة عن أن الشيوعيين أينما استطاعوا الوصول إلى السلطة، يقيمون أنظمة تتناقض مع نظام الملكية الموجود في المغرب، وتتعارض مع المؤسسات الدينية.
خرج الحكم الابتدائي بقرار لصالح الحزب، فالمحكمة أشارت في أكتوبر 1959 إلى أن طلب حل الحزب يعتبر باطلاً، ما دامت لا تمتلك الصلاحية لمعرفة إن كان هناك حقاً انعدام التوافق بين الماركسية اللينينية والدين الإسلامي، وأن الحزب الشيوعي المغربي يؤكد في قانونه الأساسي على احترام مقدسات البلد ومؤسساته الوطنية. يقول بوتان.
بيدَ أن هذا الحكومة استأنفت هذا الحكم من جديد، ورغم أن الدفاع حاول جاهداً التأكيد على أن المحاكمة سياسية، إلا أن القضاء أصدر قرار حكم حل الحزب الشيوعي المغربي، وفي الوقت نفسه اعترف بأن الشيوعيين المغاربة كان لهم دور هام في الكفاح من أجل استقلال المغرب، وأن سجل الحزب خالٍ من أي أفعال يمكن أن يحاسب عليها !
وقد شارك في الدفاع عن الحزب الشيوعي المغربي حوالي 14 محاميا من المغرب وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا وإيطاليا ولبنان وتونس، كما حاولت النيابة العامة أن تتهم حتى محامي الدفاع بالولاء للشيوعية، ممّا دفع بموريس بوتان إلى التأكيد على أنه ليس شيوعياً، وأن مرافعته تستند على القانون أساساً.
ومن التفاصيل الغريبة التي رافقت محاكمة الحزب الشيوعي المغربي، هو أن ممثل النيابة العامة في الاستئنافية، استلهم خطاباً للملك محمد الخامس كان قد أشار فيه إلى تعارض الفكر المادي الجدلي مع الإسلام، في وقت كان فيه هذا النائب، فرنسيا مسيحياً ! وذلك وِفق ما أشار إليه عبد الله الستوكي، قيدوم الصحفيين المغاربة في حوار مع يومية المساء. كما علّق الملك الراحل الحسن الثاني في كتاب "ذاكرة ملك"، حسب ما يذكره بوتان، على الحكم بقوله:" لقد كان حكماً صائباً كل الصواب.. فما دام أن الحزب الشيوعي ذا نزعة إلحادية، فليس له حق الوجود في بلد دينه الإسلام".
ورغم هذا القرار، فالحزب الشيوعي المغربي عاد للحياة الحزبية من جديد سنة 1968، تحت اسم "التحرر والاشتراكية"، بعد المؤتمر الثالث للحزب الذي انعقد بشكل سري، ليتغير هذا الإسم هو الآخر سنة 1974، ويصير "التقدم والاشتراكية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق