الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

قاتل برتبة ماريشال*المارشال امزيان قائد كتيبة الموروص المدمرة وآلة فرانكو الفتاكة*

 قاتل برتبة ماريشال*المارشال امزيان قائد كتيبة الموروص المدمرة وآلة فرانكو الفتاكة*



المارشال محمد أمزيان هو عسكري مغربي إسباني من مواليد بني انصار - الريف شمال المغرب في 1 فبراير 1897 - وتوفي بمدريد في 1 ماي 1975.

فاجأ الطفل الريفي الصغير الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر خلال زيارته إلى مليلية عندما سأله ماذا يريد أن يكون في المستقبل، فأجابه ببرود مثلك يا سيدي، بدت الدهشة على محيا العاهل الإسباني وكأنه لا يصدق أذنيه، ثم أراد أن يتأكد من مقصد الصبي فأجابه هذا الأخير ببراءة، تخفي ما تخفيه، بأنه يريد أن يكون قبطانا في الجيش، كانت للملك فراسته الخاصة، لذلك لم يتردد في تقديم وعد لوالد الطفل بأنه سيدخله مدرسة عسكرية بمجرد ما يبلغ سن السادسة عشرة، ولم يخلف الملك ألفونسو الثالث عشر وعده وحقق حلم الصبي الريفي عندما كان أول مغربي ينزع الجلباب القصير، ويرتدي اللباس العسكري وعمره لا يتجاوز 16 سنة خلال العقد الأول من القرن العشرين.

المارشال أمزيان دخل تاريخ إسبانيا كأول جنرال مسلم، فالعسكري الريفي لم يتردد في حمل السلاح ضد أستاذ قديم درسه في مدينة مليلية اسمه الشيخ محمد بن عبد الكريم الخطابي، وبعدما أخمدت الثورة الريفية، شمر عن ساعده وجمع العشرات من المغاربة للقتال إلى جانب الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية، لذلك بات مجرد ذكر اسمه يكفي لكي يصرخ اليسار الإسباني بصوت عالٍ على أعمدة الصحف الإسبانية.

وكان المارشال أمزيان قد حصل بعد نهاية الحرب الأهلية الأسبانية على منصب حاكم لمنطقتي جزر الكناري في عرض المحيط الأطلسي، التي انطلقت منها شرارة التمرد العسكري على الجمهورية اليسارية الإسبانية، وإقليم غاليسيا، شمال غرب البلاد، وهو إقليم يحظى بأهمية سياسية وإستراتيجية فائقة في البلاد.

والتحق أمزيان بالجيش المغربي بعد أن حصد كل رتبه العسكرية الكبرى رفقة الجيش الإسباني منذ أن التحق بالكلية العسكرية بمدينة طليطلة عام 1913.

التهم الموجهة للماريشال أمزيان من طرف أهل الريف شمال المغرب[عدل]

السبت، 19 ديسمبر 2020

الدليمي أعطى أوامر بقتل رشيد سكيرج وهذه قصة هروبه الى فرنسا

 أكد أحمد البوخاري، ضابط المخابرات السابق، أن رشيد سكيرج الإتحادي كان جاسوسا، للإتحاد الوطني للقوات الشعبية داخل جهاز “الكاب 1″، وأن الدليمي كان ينوي قتله بعد تنفيذ عملية سطو على بنك في إطار العملية التي أخبرتك عنها، لكن سكيرج أحس بأن الدليمي يخطط لقتله ولم يرافقهم في عملية السطو”. وأضاف البخاري ليومية “الأخبار”، “أن سكيرج توقع أن الدليمي سوف يقتله، لأن العملية كانت غير مشروعة، لقد كان عمل عصابات وليس مخابرات، وبالتالي فإن الدليمي لن يريد لأمرها أن يعرف نهائيا، وهكذا أعطي الأمر لقتل سكيرج، لكن الأخير لم يرافقهم في العملية ونجا من القتل”. بدأت الأمور تضيق حول سكيرج عندما بدأ التخطيط لإنقلاب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، وذلك الإنقلاب، وبقية الإنقلابات الأخرى التي تورط فيها الـ”UNFP”، كانت لـ “الكاب1” يد فيها وسكيرج اتحاديا، وقد توجه الى تطوان في مهمة في هذا السياق، واختفى تماما، وعندما بدأت الإتصالات للبحت عنه، جاءت المعلومات لتفيد أنه اختفى تماما وألا أثر إلا لسيارته بباب سبتة، تركها هناك وعبر الى فرنسا حيث استقر عقودا طويلة منذ بداية 1963.



دار بريشة بتطوان : اول معتقل

 دار بريشة بتطوان : اول معتقل



هكذا كان يتم تعذيب المعتقلين داخل معتقل "دار بريشة"

 هكذا كان يتم تعذيب المعتقلين داخل معتقل "دار بريشة"



معتقل دار بريشة : هكذا خطفو زوجي وقطعوا رأس والدي بشاقور

 معتقل دار بريشة : هكذا خطفو زوجي وقطعوا رأس والدي بشاقور



أول معتقل سري بالمغرب : دار بريشة بتطوان

 أول معتقل سري بالمغرب : دار بريشة بتطوان



هذا هو الصوت الغريب الذي كان يسمعه جيران معتقل "دار بريشة"

 هذا هو الصوت الغريب الذي كان يسمعه جيران معتقل "دار بريشة"



دار بريشة.. قصة معتقل سري تمت داخل أسواره تصفية لأشهر مناضلي منطقة الشمال - وثائقي

 دار بريشة.. قصة معتقل سري تمت داخل أسواره تصفية لأشهر مناضلي منطقة الشمال - وثائقي



هكذا كان يتم تعذيب المعتقلين داخل المعتقل السري "دار بريشة"

 هكذا كان يتم تعذيب المعتقلين داخل المعتقل السري "دار بريشة"



السبت، 5 ديسمبر 2020

هكذا دبر حزب الاستقلال جريمة اغتيال المقاوم عبد الله الحداوي

 هكذا دبر حزب الاستقلال جريمة اغتيال المقاوم عبد الله الحداوي


بقدر ما نبتعد عن مرحلة 1956 - 1960، التي كانت منعطفا حاسما في تاريخ المغرب المعاصر، ونعتقد أنه أمكن سبر أغوارها، بقدر ما تزداد غموضا، ويشق مشهدها السياسي عن الاختراق بفعل شهادات لا تقدم الحقيقة أو تقدم نصفها فقط، إما بفعل أعطاب الذاكرة أو النية المبيتة في اغتيال الحقيقة، فتصبح كثير من الوقائع في حاجة إلى قراءة جديدة تروم، قدرالإمكان، الالتزام بالموضوعية. من هذه الوقائع اغتيال عبد الله الحداوي قائد منظمة الهلال الأسود للمقاومة،
التي كثيرا ما أعلنت تشبتها بسلطة محمد بن يوسف وحدها، ساعات فقط على استقباله في القصر بالرباط عشية السبت 28 يوليوز 1956.
وعلى الرغم من مرور كل هذه العقود، ما يزال هناك من يربط بين واقعة الاغتيال والحوار الذي جرى بين الشهيد والسلطان محمد بن يوسف، وهذا جانب «للحقيقة التي نسعى في بلوغها من خلال الملف الذي أنجزناه، والذي يصادف مرور ثلاث وخمسين سنة على هذه الجريمة السياسية.
لهذا أراد المهدي بن بركة التخلص من عبد الله الحداوي
لن نخوض في ملابسات الموت المفاجئ للملك محمد الخامس، إنما سنركز على ما اعتبره مصطفى العلوي تهديدا للملك من قبل المقاوم عبد الله الحداوي الذي ما يزال لصغر سنه (ولد عام 1939) ودوره الكبير في المقاومة حاضران في أذهان رفاقه ومعاصريه والمشتغلين في تاريخ المقاومة.
أولا: أتى الحوار بين السلطان محمد بن يوسف والمقاوم عبد الله الحداوي بعد مفاوضات سرية دارت بين المهدي بن بركة وعبد الله الحداوي في بيت الحاج محمد حكم في حي الكزا وبيت الحاج مصطفى الورديغي بحي العكاري في الرباط، وكان الداعي إليها إصرار المهدي بن بركة على أن تنضم الهلال الأسود إلى حزب الاستقلال الساعي إلى إقامة نظام الحزب الوحيد، لكن لم يكن من السهل أن يتنازل عبد الله الحداوي عن كل القناعات التي شيدها ودافع عنها بقوة، خاصة بعد أن أسعفه وعيه الوطني وذكاؤه الحاد في إدراك ما كان يدبر في الخفاء في هذه المرحلة التي برز فيها السلطان بعد التضحيات التي قدمت من أجله راعيا للإجماع بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، فأضاف إلى قيمته الروحية قيمة أخرى، كما كان من المستحيل على رجال الهلال الأسود المنتمين لحزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي المغربي فك ارتباطهم السياسي بأحزابهم.
باختصار شديد لم يكن من الهين أن يتنازل عبد الله الحداوي عن قناعاته:
معارضة أوفاق إيكس ليبان
عدم الاعتراف بسلطة منافسة لسلطة محمد بن يوسف.
التشبث بالسلاح للدفاع عن الاستقلال الذي ما يزال هشا بسبب استمرار الوجود الأجنبي.
دعم الجزائريين، لأن وجود قوة استعمارية كبرى على حدود المغرب يهدد استقراره.
لم تفلح إغراءات المهدي في تليين مواقف عبد الله الحداوي الذي قام زملاؤه في الدراسة ينتظرون المقامة بهم في المشرق العربي لإكمال دراستهم. وبعد فشل آخر لقاء في دراستهم يوم 14 ماي 1956 أطلق أتباع المهدي وابلا من الرصاص فنجا عبد الله بأعجوبة بينما أصيب المختار بنور بجروح.
ثانيا: كانت محاولات التخلص من عبد الله الحداوي قد انطلقت منذ أن رفض إلقاء السلاح والانضمام إلى المنظمة السرية الخاضعة لحزب الاستقلال، كما جرت محاولات إغراء خاله العربي السامي المعروف ب «السائق» بمنحه منصب قائد بإحدى المقاطعات إن هو ساعد في اعتقال ابن أخته، بل جرت محاولات لتوريطه في مؤامرات وهمية.
زعماء الحزب الوحيد يغتالون المقاومين
عنف مروع ذاك الذي شهده المغرب طيلة السنوات الأولى القليلة التي أعقبت انتهاء العمل بمعاهدة الحماية. ولفهمه يتعين الرجوع إلى جذور أزمة العلاقات السياسية بين القصر وحزب الاستقلال، والتي غذتها نوايا أعضاء في اللجنة التنفيذية للحزب في تجريد السلطان محمد بن يوسف من سلطاته السياسية واستخدامه فقط في تدشين المساجد وفقا لما كان يردده أحد أبرز أعضاء اللجنة، كمقدمة لإقامة نظام الحزب الوحيد على غرار ما ساد في أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية.
وقد أدى مقاومون حقيقيون، غاليا، ثمن تمسكهم بمبادئهم وفي مقدمتها عدم الاعتراف بأية سلطة منافسة لمحمد بن يوسف، وضرورة الحفاظ على التعددية السياسية ممثلة في أحزاب الحركة الوطنية، وفهم عبد الله الحداوي الذي صاغ الشعار الذي ظلت تعرف به منظمة الهلال الأسود، منذ ظهورها في مارس 1954: «حزبنا الإسلام، دستورنا القرآن، غايتنا الملك».
فمنذ عزل ونفي السلطان بعد ظهر الخميس 20 غشت 1953، غدا العمل على إنجاز مطلب «بن يوسف إلى عرشه» في مقدمة انشغالات القواعد، وغدا النقاش داخل كل البيوت التساؤل عن جدوى قراءة النشرات الحزبية على الأعضاء، وعن مآل الأموال التي كانت فروع الحزب تتسلمها منهم، مما أفضى في النهاية إلى انفلات قاعدة واسعة من البورجوازية الصغرى والبوليتاريا والبروليتاريا الرثة من تأطير جناح الحركة الوطنية السياسي لفائدة الشخصيات الكارزمية التي استغلت ما حصل في غشت لإعطاء العنف السياسي، الذي تسمى بالعمل المباشر والمقاومة المسلحة والفداء، المشروعية التي كان يفتقر إليها في نظر المترددين في اللجوء إلى هذا الأسلوب في مواجهة المحتل، والذي عد تطورا في النضال الذي انطلق سنة 1907 مع مقاومة القبائل وتواصل مع ظهور التنظيمات الحزبية في منتصف الثلاثينيات.
إذا حاولنا إعطاء هوية للصراع الذي تفجر سنة 1956، جاز القول إنه صراع بين المرتبطين بمؤسسة العرش من جهة وبين أتباع حزب الاستقلال من جهة أخرى. فمنذ عودة السلطان من المنفى يوم الأربعاء 16 نونبر 1955 وانتهاء العمل بمعاهدة الحماية أخذت تلوح في الأفق بوادر الصراع حول من سيمسك بخيوط اللعبة السياسية.
السلطان في التصور الشعبي شخص مقدس يتفوق على سائر الناس العاديين، ويتمتع بالبركة التي يستمدها من الانتماء إلى البيت النبوي، ويتمتع بقوة مقدسة، لذلك لم يكن أحد من العامة على استعداد لتكذيب أسطورة ظهوره على سطح القمر ممتطيا صهوة جواد أبيض... وكان الهدف من إشاعة هذه الأسطورة مواجهة الأسطورة التي تحدثت عن تمتع محمد بن عرفة، الذي توج بديلا لمحمد بن يوسف تحت اسم «السلطان محمد السادس»، بالبركة التي حالت دون اغتياله في العديد من المناسبات، وكانت تغذية المخيلة الشعبية بأسطرة القمر تلهب حماس القواعد وعرفت بالسلطان المبعد لدى أبناء المغرب العتيق، والحصيلة تراجع جميع المطالب التي كانت في صلب برنامج الحركة الوطنية منذ 1934 ليحل محلها مطلب «بن يوسف إلى عرشه»!
كان الارتباط بين عمل المقاومة والدفاع عن العرش يتقوى باستمرار، وكانت القواعد التي تضررت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية بفعل الاصطدام بين نمط انتاج تقليدي مرتبط بالفلاحة الخاضعة للظروف الطبيعية المتسمة بالتقلبات المناخية، وغير قادر تبعا لذلك على تحقيق التراكم وبين نمط انتاج عصري استفاد من التجارب التي راكمها في إطار رأسمالية تجارية وزراعية وصناعية ومالية. كانت تلك القواعد إذن مندفعة لمقاومة الاحتلال، وتتقوى طموحاتها الوطنية بفعل النجاحات التي كانت تحققها حركات التحرير في آسيا على الخصوص، وكان النجاح في إسقاط معمرين ومغاربة متعاونين يقوي الاندفاع لإتيان عمليات أخرى، وألغى الانتماء إلى الوطن الانتماء الحزبي، وتجسد هذا على الخصوص في منظمة الهلال الأسود التي التأم في إطارها مقاومون استقلاليون وشوريون وشيوعيون وآخرون بدون أي انتماء، فلم يكن قائد الهلال المقاوم عبد الله الحداوي يعطي لهذا الانتماء قيمة على صعيد العمل المسلح الذي تطور بالرغم من تفكيك «اليد السوداء» وهروب أعضاء بارزين في «المنظمة السرية» إلى الشمال وإلى سيدي إيفني. وتمكنت الهلال من ردم الفراغ الذي أحدثته هذه النكسات، إذ نجح عبد الله الحداوي، بالرغم من صغر سنه (ولد عام 1939) واعتقال لحسن الكلاوي وأعضاء آخرين، في إدارة المنظمة وتنفيذ عدد من عملياتها واستقطاب أعضاء جدد وإقامة معسكرات للتدريب، والاستيلاء على أسلحة متطورة من إحدى القواعد الأجنبية في منظمة الغرب، وتعزز كفاح الهلال بظهور منظمات أخرى مثل «جيش الأطلس» و«صوت الحق» و«اليد الحسنية» و«أسد التحرير».
لم تتردد الهلال الأسود في استغلال عدد من المناسبات للتذكير بارتباطها القوي بالسلطان محمد بن يوسف، ويمكن للمهتم ملاحظة ذلك انطلاقا من متابعة دقيقة للمنشورات التي وزعتها خاصة بعد عودته من المنفى، وإعلان الاستقلال وتأليف أول حكومة وطنية لفترة ما بعد الحماية.
كان النقاش داخل منظمة الهلال الأسود قد تركز حول المهام التي ماتزال مطروحة ويتعين إنجازها مثل تدعيم الاستقلال الهش، وإزاء مظاهر الوجود الأجنبي ودعم الجزائريين.. بينما كان النقاش داخل دائرة ضيقة من أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال الذي استقطب «المنظمة السرية خصم الهلال الأسود التاريخي» يدور حول سبل تجريد السلطان من سلطته السياسية، والإبقاء على سلطته الروحية (الدينية) ثم إقصاء الأحزاب الأخرى من اللعبة السياسية. لذلك تمت المزاوجة بين الترهيب والترغيب (سياسة العصا والجزرة). ففي مقابل الامتيازات الكثيرة التي منحت بسخاء كبير لإيجاد أتباع جدد، تمت مواجهة الرافضين لسياسة الاحتواء الحزبي بالاختطاف والاحتجاز والاغتيال، وأقيمت مراكز الاعتقال السري في جميع جهات المغرب، وكان عدد هام منها في الشمال وأشهرها دار بريشة بضواحي تطوان، وفاق عدد الضحايا من الهلال وحدها عدد المقاومين الذين أعدمهم الاحتلال.
لقد عدت وقائع الاغتيال السياسي في مغرب 1956 أهم الإفرازات السياسية الأساسية للصراع بين المرتبطين بالملكية المدافعين عنها، وبين الموالين لحزب الاستقلال الطامح في إضعاف سلطة القصر، كما شكلت هزات عنيفة ضربت في الصميم ذلك التحالف الذي تحقق في مواجهة الاحتلال. وبدا للمناضلين وعموم الناس أن أحلامهم أكبر من هذا الواقع المتسم بالصراع.
إن استرجاع هذه الهزات هو إدانة لاغتيال الحق في الحياة، وإحياء لذكرى الضحايا الذين أدوا غالبا ثمن تمسكهم بسلطة محمدبن يوسف دون غيرها، ورفض للخضوع لإملاءات حزب الاستقلال، ومحاولة لقراءة صحيحة وموضوعية للوقائع بعيدا عن هفوات ضعف الذاكرة وافتراءات الأهواء السياسية، إسهاما منا في ترميم ذاكرتنا الجماعية المهددة بالتلف.
قيمة مذكرات مصطفى العلوي
لما كنا بصدد إنجاز هذا الملف عبر النبش في ذاكرة المغرب لفترة ما بعد الحماية كانت جريدة «أخبار اليوم» تنشر مذكرات عميد الصحفيين المغاربة، ولم يكن من الممكن تجاوز المواضيع التي استعادها شخص انتمى إلى دائرة مهنة المتاعب، وهي ما تزال ضيقة، وعاش تطورات الحقل السياسي منذ عملية إعادة بناء السلطة الملكية مع محمد بين يوسف، الذي أصبح يعرف منذ 15 غشت 1957 بالملك محمد الخامس، ومحاولة بناء الدولة الوطنية مع الحسن الثاني، ثم محاولة بناء مجتمع حداثي ديمقراطي مع الملك محمد السادس.
ومن بين القضايا التي أثارها مصطفى العلوي في العدد 115 من «أخبار اليوم» ليوم الاثنين 31 يوليوز 2009 (ص 9) وفاة محمد الخامس المفاجئة عصر يوم الأحد 26 فبراير 1961 وليس 21 فبراير كما ورد في الجريدة وقضية اللقاء بين محمد الخامس وعدد من رجال المقاومة، من ضمنهم عبد الله الحداوي وليس شقيقه محمد الحداوي الذي كان قد استشهد منذ عام في معركة سيدي معروف في الدارالبيضاء ليلة 28 - 29 شتنبر 1955. وبالرغم من هذا الإقصاء إلا أن ما يقدمه مصطفى العلوي جدير بالتتبع ويعد في رأينا ذا قيمة مضاعفة على مستوى الإسهام في ترميم الذاكرة الجماعية.
عرس المهدي الناموسي
لما استشهد عبد الله الحداوي كان شقيقه محمد الحداوي، ما يزال في ربيعه الرابع عشر رهن الاحتجاز بالدائرة السابعة للأمن التي قضى بها ليلة السبت 28 وصباح الأحد 29 يوليوز، فاقترب منه المهدي الناموسي وخاطبه: «سير فحالك را خوك عنده العرس».
حقا في فترات الانبطاح يصبح الاستشهاد من أجل قضية عادلة عرسا.
لهذا لم يهدد عبد الله الحداوي الملك محمد الخامس
قبل اغتيال عبد الله الحداوي سقط عدد غير يسير من المقاومين برصاص أشخاص لم يلتحق عدد منهم بالمقاومة إلا في لحظاتها الأخيرة، سخرهم حزب الاستقلال لفرض الخنوع على الرافضين للاحتواء الحزبي حتى تسهل إعادة ترتيب الساحة السياسية من وجهة مصالحه فقط، ولا تسمح حدود هذه الورقة بحصر أسماء الضحايا والمختطفين الذين ما تزال أخبارهم منقطعة.
ويل للمصلين
هذه الوقائع إذن هي القادرة على تحديد السباق لما جرى ليلة السبت 28 يوليوز 1956 غير بعيد عن حديقة الجيوانات بعين السبع في الدار البيضاء، أما الحوار الذي دار بين السلطان محمد بن يوسف والمقاوم عبد الله الحداوي، فقد ابتغى منه عبد الله وضع حد للاضطهاد الذي تتعرض له الهلال الأسود، والتنبيه لمخاطر بحث اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال عن سبل الاستقواء لغرض نظام الحزب الوحيد بإضعاف القصر وإقصاء الأحزاب الوطنية الأخرى من اللعبةالسياسية بالرغم من نضالها، وفي غمرة الابتهاج الذي خلفه الإعلان عن انتهاء العمل بمعاهدة الحماية، وجدت هذه الأحزاب نفسها في مواجهة تيار متشبع بثقافة الإقصاء.
من دون شك كان عبد الله الحداوي يتمتع بثقة كبيرة في النفس ترجع إلى نجاحه في إسقاط عدد من رموز الوجود الأجنبي، مغاربة وأجانب، مدنيين وعسكريين، فأسعفته في دعوة السلطان إلى التزام الحذر في التعامل مع الراديكاليين من حزب الاستقلال الذين يسعون في إقامة وصايتهم على العدالة وعلى كل مؤسسات الدولة لاستئصال حقوق الأحزاب الأخرى، وإنكار حقها في الوجود وترويع الناس، والتنبيه إلى مخاطر ذلك على التعايش السلمي بين مختلف مكونات المغرب السياسية.
هل انحصر الحوار بين عبد الله الحداوي وعاهله في هذا التنبيه؟ «لقد دخلت ب: يحيا الملك، وإننا لا نريد منك أن تخرج ب: «يسقط الملك»؟
لم يكن هذا الكلام المبتور من سياقة على غرار: «ويل للمصلين» يحمل أي تهديد للسلطان سيدي محمد بن يوسف، وإنما تخوفا مما قد يتعرض له مستقبلا إن أبدى عجزه عن الحد من أطماع حزب الاستقلال الذي بحث عدد من رجاله عن احتكار السلطة والثروة بصورته في المخيلة الوطنية، كحزب قاوم الطرقية والشعوذة ودافع عن طموحات الناس منذ 1934 لما كان يسمى ب «الحزب الوطني»، وتعرض عدد من أعضائه للاضطهاد سنوات 1937 و1944 و1947 و1952.
كان حزب الاستقلال ماضيا في الانفراد بالسلطة بعد إسناد حقيبة الداخلية لادريس امحمدي والإدارة العامة للأمن الوطني لمحمد الغزاوي والأمن الإقليمي بالدارالبيضاء لإدريس السلاوي وكلهم من رجاله. ومكنت إمكانات الغزاوي المادية من خلق ميليشيات تتصرف في استقلال تام عن الضوابط القانونية، وكان من أعضائها مقاومون من المنظمة السرية أو انتسبوا لها في اللحظات الأخيرة من عمر المقاومة، ومنهم أفراد من ذوي السوابق كونوا صداقات داخل السجن المدني (اغبيلة) مع مقاومين كانوا يقضون عقوبة السجن، فتم تسخيرهم في اضطهاد المقاومين الحقيقيين وهتك الأعراض ونهب أموال الناس الذين وضعت أسماؤهم تجاوزا ضمن قائمة المتعاونين سابقا مع سلطان الحماية. ولم يسبق للمتورطين في هذه الأفعال خوض المقاومة المسلحة، ومن علامات ذلك أن المعاينة التي قام بها الأمن وكان ما يزال مشكلا في غالبيته من الفرنسيين لمكان جريمة اغتيال «الغضفة بنت المدني» زوجة المقاوم عبد الرحمان لمخنت في درب الكرلوطي تحدثت عن وجود أغشية douilles) 43) خرطوشة، فهل تطلبت عملية اغتيال سيدة كل هذا الكم من الرصاص؟
لقد اجتمعت قبل السبت الأخير في حياة المقاوم عبد الله الحداوي عوامل عدة فرضت التحذير من مخاطر الانزلاق نحو ديكتاتورية الحزب الوحيد ومنها مذبحة سوق أربعاء الغرب واغتيال الكفاءات التي كانت ستفيد في بناء المغرب.. فأصيب الناس بإحباط شديد.
لا يمكن ربط اغتيال عبد الله ليلة السبت 28 يوليوز 1956 بالحوار الذي دار بينه وبين السلطان، وإلا فما هي دواعي الاغتيالات الأخرى التي ظلت أخبارها تقفز إلى صدارة الأحداث بين نهاية 1955 ونهاية يوليوز 1956؟
كان كمين حديقة الحيوانات إذن مهيأ بدقة كبيرة لأن خصوم عبد الله الحداوي كانوا يرصدون خطواته طيلة الشهور السبعة الأولى من سنة 1956، ولكي لا يتركوا لهذا الصيد الثمين أي فرصة للنجاة، تم تجنيد عدد كبير من العاملين بالدائرة السابعة للأمن في درب البلدية بالدارالبيضاء. وتمت الاستعانة بمختلف أنواع الأسلحة النارية، وأقاموا حاجزا آخر على الطريق الساحلية، وكان من ضمنهم المهدي الناموسي ومحمد الذهبي المعروف ب «اللاص» الذي كان من بين من أصيبوا برصاص عبد الله ورفاقه فتمت مكافأته بامتيازات كثيرة بالرغم من تواضع ماضيه في قتل المقاومة!
الوعد بالتسوية
لقد تعلق الأمر إذن بمواجهة مسلحة فرض على عبد الله الحداوي خوضها لأن السلطان محمد بن يوسف وعده بتسوية الأمور.
ووفقا لعدد من الشهادات فإن القتلة وأسيادهم أقاموا في اليوم الموالي حفلا كبيرا بالدارالبيضاء ابتهاجا بالتخلص من المقاوم الذي أرعبهم مثلما أرعب السلطات الفرنسية التي أصدرت فلي حقه ثلاث مذكرات اعتقال في مارس 1955 وفبراير ويونيو 1956، ووصفته إحداها ب «الإرهابي الخطير»


هل أعطى السلطان محمد بن يوسف الأمر بتصفية رجال المقاومة؟


 
هل أعطى السلطان محمد بن يوسف الأمر بتصفية رجال المقاومة؟ 

 نشر في هسبريس يوم 10 - 03 - 2009

هل كان إبراهيم الروداني ومحمد الزيراوي يحرضان الناس على عدم المشاركة في تشييع جنازة المقاوم لحسن الگلاوي؟ "" 
هل الأمر يتعلق بنية مبيتة للتحريف أم أعطاب في الذاكرة؟
مغرب بدايات الاستقلال... حقول الألغام:
من المؤكد استحالة الإلمام بجميع وقائع تاريخنا الوطني دون حصول مقاربة متكاملة يسهم فيها الفاعلون ومعاصروهم والباحثون الساعون في بلوغ الحقيقة، بعيدا عن الحمولات الايديولوجية المغرضة، حتى تكون الخلاصات المتوصل إليها منسجمة بل متماهية مع الحقائق التاريخية، وهذا شرط أساسي لقبولها من لدن الجميع.
مناسبة هذا الكلام إثارة مجلة "نيشان" في عددها رقم 190، 27 فبراير 5 مارس 2009 لموضوع الاغتيالات ومختلف عمليات الاضطهاد التي مرت انطلاقا من أواخر سنة 1955 بعد عودة السلطان محمد بن يوسف من منفاه، واستمرت طيلة 1956.
ومن دون شك تنطوي مقاربة هذا الموضوع على كثير من مخاطر الانزلاق المنهجي والفكري، ولذلك يتعين توفر شرطين أساسيين أولهما الانصات لجميع الفاعلين في وقائع الفترة ومعاصريهم، وثانيهما النزاهة الفكرية والمقصود بها الابتعاد عن المرامي الايديولوجية المغرضة، لذا فإن السطحية التي عولج بها هذا الموضوع الذي مازال يثير حساسية شديدة لم ترفع اللبس الذي مايزال جاثما أمام المقبلين لأول مرة على مقاربة تاريخ المغرب خلال سنوات فجر الاستقلال خاصة سنة 1956، بل تم تكريس هذا اللبس، فمن الطبيعي إذن أن يتولد الاعتقاد بأننا مانزال بعيدين عن الحقيقة المنفلتة من عقالها.إننا واثقون من أن "نيشان" بإثارتها لموضوع الاغتيالات السياسية في مغرب بدايات الاستقلال إنما كانت تنطلق من الرغبة في إنتاج المعرفة، أي الحقيقة المجردة من كل المرامي أو الأهواء السياسية المتحاملة، لكنها سقطت في منزلق منهجي خطير وهو الركون إلى شهادة فاعل في وقائع الفترة، تجمع الكثير من الروايات والوقائع على تورطه في الجرائم السياسة التي راح ضحيتها عدد غير يسير من رجال المقاومة وغيرهم، وكان معظم الضحايا من منظمة الهلال الأسود التي لم يترك لها خصومها فترة لالتقاط أنفاسها، فأجبرت بعد استعادة السيادة الوطنية على الدخول في صراع مع حزب الاستقلال الذي احتوى "المنظمة السرية" وسخرها لاضطهاد خصومه، ف"حاول المقاوم عبد الله الحداوي (1939 1956) الحفاظ على الهلال وقاوم كثيرا مختلف الإغراءات التي كان المهدي ابن بركة على الخصوص يتقدم بها لاستقطاب رجال المقاومة للضغط بهم على القصر كخطوة أولى نحو إقامة نظام شمولي،على غرار الأنظمة التوليتارية التي كانت سائدة في أوروبا الشرقية على الخصوص، "ولما لم تنجح كل الاغراءات تم اغتيال عبد الله الحداوي وثلاثة من رفاقه ليلة السبت 29 يوليوز 1956، وكان القتلة رجال أمن ينتمون للدائرة السابعة للأمن المعروفة لدى البيضاويين ب "الساتيام" التي كان يشرف عليها الحسين الصغير ويساعده أحد أبرز الفاعلين في وقائع جرائم الاغتيال السياسي الذي اعتمدت نيشان شهادته!
وكان من بين القتلة "أحمد الطويل" و "الذهبي" المعروف ب "اللاص" و"عبد الرحمان السطل" و "بنجلون" وأخوه و "قمر" و "عبد الله المراكشي"...
وقد انضاف عبد الله الحداوي ورفاقه الثلاثة إلى الضحايا الذين أخذوا يسقطون تباعا منذ نهاية 1955، وكان في مقدمتهم امبارك القصري المعروف ب "المضاربي" لامتهانه حرفة خياطة المضارب إذ جرى إحراقه حيا، وبعد مرور أسابيع قليلة سقط أحمد الشرايبي الذي كان قد استدعي من قبل المهدي بن بركة في محاولة لإغرائه بالفوائد التي تنتظره في حال قبوله الانضمام إلى خطة حزب الاستقلال، وأمام رفض أحمد الشرايبي جميع عروض الإغراء واختياره الالتزام بخط منظمة الهلال الأسود جرى اغتياله من قبل زبانية أحمد الطويل، وقد جرت واقعة الاغتيال داخل محل لصنع مادة جافيل كان في ملك ابراهيم الروداني الذي كان يجمع معلومات كثيرة عن المقاومين بحكم علاقته القديمة بهم.
جرى اغتيال أحمد الشرايبي لما كانت الدار البيضاء تستعد لاستقبال السلطان محمد بن يوسف في أول زيارة لها منذ عودته من المنفى، إذ يبدو أن خصوم الهلال حاولوا استفزازها ليلة الزيارة ودفعها إلى القيام بردود فعل قوية تفسد الزيارة وتفسد أيضا العلاقات بين السلطان ومنظمة الهلال الأسود، لكن عبد الله الحداوي بفضل ما كان يتمتع به من دهاء فوت على خصومه هذه الفرصة.
افتراءات أم أعطاب في الذاكرة؟
ورد في إفادة الفاعل الذي ارتكنت نيشان إلى شهادته أن السلطات محمد بن يوسف أعطى الأمر لرجال المقاومة للقيام بعملية تصفية داخلية تقضي على من بقي منهم على قيد الحياة! وأضاف أن هذا الأمر نقله إليهم أحمد العلوي الذي انتقل إلى رحمة الله، أي أن صاحب الشهادة اتخذ من قبر أحمد العلوي حصنا منيعا يحول دون الاقتراب منه لمساءلته ودحض روايته.
إذا صح هذا الادعاء ستكون هيئة الإنصاف والمصالحة قد زاغت عن الحقيقة لما قالت في إحدى خلاصاتها بشأن ما جرى بين 1956و 1999 أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي حصلت سنة 1956 كانت بين فاعلين «غير دولتيينعمليات استنجاد الفاعل في جرائم 1956 السياسية بالموتى كثيرة، ومنها الاقتصار في ذكر أعضاء وفد منظمة الهلال الأسود الذين استقبلهم السلطان محمد بن يوسف على الشهيد محمد اعمامو الزاياني وليس اعبابو كما جاء في صفحات نيشان وهنا نصل إلى تناقض خطير بين ماورد في هذه الرواية، خاصة تاريخ الاستقبال الذي كان في أبريل 1956، وبين ماورد في رواية سابقة بشأن اغتيال عبد الله الحداوي في 29 يوليوز 1956 (المستقل، الخميس 20 الأربعاء 26 أبريل 2000، ص• 12)
قال صاحبنا في شهادته عن ملابسات اغتيال عبد الله الحداوي قائد الهلال أن خبر الاغتيال ورد عليه وهو في السجن الذي دخله بعد اعتقاله يوم الخميس 3 مارس 1955، في أعقاب عملية "آرمان ماري" "Armand maré"، فكيف أمكنه الحضور ضمن وفد الهلال إلى القصر وهو مايزال في السجن ولم يغادره إلا بعد اغتيال عبد الله الحداوي في 29 يوليوز؟ فهل يتعلق الأمر بعطب في الذاكرة أم بنية مبيتة للتحريف، وبالتالي التنصل من مسؤولية التورط في جريمة اغتيال عبد الله الحداوي وجرائم أخرى، منها اغتيال لحسن الگلاوي، ليلة 16 يونيو 1956 بمقر إقامته في حي الوازيس بالدار البيضاء، وكان القتلة ومنهم الحسين سرحان ومصطفى أبارجو قد تأكدا أن لحسن الگلاوي يوجد بمفرده بعد أن غادره عبد الله الحداوي، الذي كان يهابه خصومه كثيرا، ومنها اختطاف المقاوم گرانفال الذي انقطعت أخباره إلى الآن منذ أن شوهد في مدخل الساتيام وقد احتضنه صاحبنا وهو يصرخ بأعلى صوته: «واحبيبي گرانفالوللحقيقة فإن صاحبنا غادر السجن رفقة لحسن الگلاوي قبل هذه الوقائع بعدة شهور.
من التحريفات الواردة في عدد نيشان حول المذابح السرية الادعاء أن اغتيال الزيراوي والروداني جاء انتقاما من طرف الهلال الأسود لأن القتيلين كانا يحثان الناس عبر مكبر للصوت على عدم الانضمام إلى مشيعي جنازة لحسن الگلاوي الذي أسس بتعاون مع عبد الله الحداوي منظمة الهلال الأسود.
وفقا لرواية حسن الحداوي شقيق الشهيدين محمد الحداوي وعبد الله الحداوي فإن جنازة لحسن الگلاوي انطلقت من بيت الحداويين في زنقة ملوية بدرب السبليون، وكان المقاوم أحمد رزقي قد تكلف بغسل الجثمان الذي لف بغطاء كتب عليه شعار الهلال: «حزبنا الإسلام، دستورنا القرآن، غايتنا الملك<• وعلى طول المسار الذي قطعه المشيعون من درب السبليون وإلى غاية مقبرة اسباتة، التي ووريت بها جثامين عدد غير يسير من شهداء الهلال الأسود، لم يلاحظ وجود للروداني أو الزيراوي، فلم يكن من شيم الرجلين الوقوع في هذا المنزلق الذي لايمت بأية صلة لقيم التسامح التي يحث عليها الدين الاسلامي، وللتاريخ فإن اغتيال ابراهيم الروداني في 5 يوليوز 1956 ومحمد الزيراوي في 25 من نفس الشهر جاءا اثر اغتيال لحسن الگلاوي في 16 يونيو واعمامو الزاياني في 30 يونيو 1956، أي أن اغتيالهما اندرج في إطار ردود الفعل التي حاولت الهلال الأسود كثيرا تجنبها حفاظا على وحدة المقاومة لكنها دفعت إليها دفعا بعد أن تضخمت قافلة شهداء المقاومة الذين قارب عددهم الثلاثين من منظمة الهلال وحدها، أي أكثر من الوطنيين الذين جرى إعدامهم من قبل السلطات الفرنسية!.
لقد كان بإمكان نيشان عدم السقوط في هاوية الركون إلى شهادات المتورطين في جرائم الاغتيال السياسي التي تورط فيها رجال الدائرة السابعة للأمن ومنهم الحسين الصغير ومصطفى أبارجو وتاج الدين وأحمد الطويل وابراهيم العبدي وعبد الله الدكالي وبوشعيب التورنور••• ويعلم كثير من المهتمين بتاريخ المغرب في بدايات الاستقلال أن هؤلاء تورطوا في وقائع الاغتيال التي راح ضحيتها أناس من خارج دائرة المقاومة مثل الدكتور عمر الادريسي والربانة ثريا الشاوي والرياضي محمد بويجيخ والفكاهي القدميري، والمهندس الجيولوجي عبد الكريم بن عبد الله، والأستاذ محمد الطيب البقالي، وحاول القتلة الاجهاز على حياة عبد الله العياشي يوم 31 مارس 1956.
فكيف يمكن الاعتداد بشهادات من لم تجف أيديهم بعد من دماء الضحايا الذين كان "ذنبهم" الوحيد عدم مجاراة حزب الاستقلال في توجهاته السياسية، ولم يشفع لهم أمام جلاديهم الدور الذي قاموا به في نشاط الحركة الوطنية بشقيها السياسي والمسلح الذي أجبر سلطات الحماية على إعادة النظر في موقفها من القضية المغربية، خاصة بعد ظهور الاستشهاديين الذين كانوا يحملون أكفانهم على أكتافهم على غرار محمد الحداوي وحجاج المزابي...
فاعادت محمدا بن يوسف إلى عرشه بعد 27 شهرا من الابعاد، واعترفت في 2 مارس 1956 باستقلال المغرب، ونفس الشيء أقدمت عليه اسبانيا في 7 أبريل من نفس السنة.
الظروف الغامضة:
لقد دأب المتورطون في جرائم الاغتيال السياسي التي حصلت سنة 1956 على الخصوص  على نعث هذه المرحلة ب "الظروف الغامضة"، لأنه كان يزعجهم كثيرا الاقتراب منها، واستجلاء حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي كانت تحصل في المعتقلات السرية، في الساتيام بالدارالبيضاء، وفي دا ر بريشة وجنان الريسولي ودار الخمال بتطوان، ودار طريطة بضواحي تطوان... وقد فاق عدد هذه المعتقلات السبعين موزعة عبر مختلف جهات المغرب.
لقد أجج جناح حزب الاستقلال الراديكالي الصراع الذي عاشه المغرب خلال الظروف "الغامضة" بفعل نزوعه نحو فرض الهيمنة على مختلف المكونات التي كانت تؤثت الساحة الوطنية خاصة تنظيمات المقاومة المسلحة ونقابة الاتحاد المغربي للشغل، وذلك بفرض إقامة نظام الحزب الوحيد.
إن ما وقعت فيه نيشان في عددها 190 (27 فبراير- 5 مارس) بذكرنا بما وقعت فيه في العدد الذي كرسته للإسهام في تخليد مرور نصف قرن على استقلال المغرب سنة 1955، إذ ورد فيه اتهام للهلال الأسود بالتورط في اغتيال رحال المسكيني يوم السبت 15 دجنبر 1956، مع أن الهلال الأسود انتهي أمرها باغتيال قائدها عبد الله الحداوي وثلاثة من رفاقه واختطاف واغتيال آخرين سابقا، وهذا مخالف تماما للحقيقة التي أضحت معروفة لدى الكثيرين، ذلك أن اغتيال رحال المسكيني أتى في إطار رد الفعل الذي أقدم عليه أقارب أحمد الطويل، الذي تورط رحال في اغتياله في 25 أكتوبر 1956ومنهم شقيقاه المامون و مسعود و صهره أحمد سيمكا و بوشعيب الجزار.وكنا قد حاولنا لفت انتباه هيئة تحرير نيشان إلى هذه الأخطاء القاتلة، التي لا نريد لأي منبر إعلامي وطني الوقوع فيها، وزودناها بمجرد انتقال المجلة إلى مقرها الحالي بمؤلف: " شهداء وجلادون: بحق في ذاكرة المقاومة والاضطهاد الحزبي بالمغرب" (نشر سوما گرام – 2006)
لقد رمنا من مقالتنا هذه مساعدة هذه الدورية على بلوغ الحقيقة، لأننا على إيمان تام بأن هاجسها علمي محض وليس اقتناص ما في جيوب المدمنين على مطالعة مختلف الدوريات المغربية، لأن اعتماد شهادة المتورطين في أيام فجر الاستقلال الحالكة لن يساعد أبدا في بلوغ الحقيقة التاريخية البعيدة عن تحكم الأهواء السياسية•
هل قدر تاريخ المغرب أن تتعرض مختلف حقبه للتحريف المبيت؟
لم يعد الأمر مقتصرا على تاريخ انتقائي يقصي أقوى اللحظات من الذاكرة الجامعية، كذكرى الانتصار في أنوال في 21 يوليوز 1921 وذكرى وفاة محمد بن عبد الكريم الخطابي في 6 فبراير 1963 و وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تقدم بها وطنيو المنطقة الشمالية من المغرب في 14 فبراير 1943، بل تعداه إلى إقصاء الإمارات الأمازيغية، التي يعود ظهورها إلى حوالي 3300 سنة، وربط تاريخ قيام الدولة المغربية بظهور فاس، إنها قمة التحريف!


الشهيد رحال المسكيني

شهداء....وشهيدات: الشهيد رحال المسكيني: ففي الفترة الممتدة من يناير إلى نهاية غشت 1953 عاينت البلاد وقوع ما يناهز 20 هجوما بالسلاح الأبيض و50 إتلافاً للخطوط الهاتفية وعمليات تخر...


هكذا يتم تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب شهود عيان ر...

شهداء....وشهيدات: هكذا يتم تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب شهود عيان ر...: هكذا يتم تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب شهود عيان راقبوا وقوع الموت عن قرب إدريس ولد القابلة   الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 /...


احمد المالكي الملقب بجحا

شهداء....وشهيدات: احمد المالكي الملقب بجحا: احمد المالكي الملقب بجحا  نظمت هيئة الإنصاف والمصالحة يوم السبت 29 يناير 2005 بمدينة فجيج ثالث جلسة استماع عمومية لضحايا انتهاكات حقوق...


الخميس، 3 ديسمبر 2020

عندما أصدر القضاء حكماً بحلّ حزب مغربي بسبب "الإلحاد"

عندما أصدر القضاء حكماً بحلّ حزب مغربي بسبب "الإلحاد"

 هسبريس - إسماعيل عزام

منذ ما يقارب على 16 سنة وحزب التقدم والاشتراكية يعتبر من الأطراف الأساسية التي تشكّل الحكومات المغربية، فقد كان حاضراً في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، ثم حكومة إدريس جطو، فحكومة عباس الفاسي، وأخيرا حكومة عبد الإله بنكيران. تواجد قوي ربما لم يكن يتخيله الكثير من المتتبعين لمسار هذا الحزب، خاصة عندما نستحضر أن القضاء المغربي أصدر بعد الاستقلال قراراً يقضي بحل الحزب المذكور لـ"تعارضه مع قيم المملكة".

تعتبر قضية حل الحزب الشيوعي المغربي، الإسم الأسبق لـ"التقدم والاشتراكية"، واحدة من أهم قضايا العمل الحزبي الذي خيّمت على المغرب في فترة ما بعد الاستقلال، خاصة وأن حكومة يسارية ممثلة في تلك التي قادها عبد الله إبراهيم، هي من أصدرت في 10 شتنبر 1959 مرسوماً لتعليق هذا الحزب "تطبيقاً لظهير 15 نونبر المنظم لحق إنشاء الجمعيات"، ممّا جعل إسقاط هذه الحكومة بعد ذلك بسنة تقريباً، يحاكي المثل المشهور" إنما أكِلت يوم أُكل الثور الأبيض".

تأسّس الحزب الشيوعي المغربي 1943، وكانت لديه إسهامات قوية في النضال من أجل استقلال المغرب، إلا أن دوره في الساحة الوطنية بقي ضئيلاً مقارنة مع وجود حزب الاستقلال، وعندما وضع قادته نظامهم الأساسي مارس 1959، لم تنتظر الحكومة طويلاً لتصدر الأمر للشرطة كي تختم بالشمع الأحمر على أبواب مقراته، لتبدأ معركة رفاق علي يعتة مع القضاء المغربي.

ويذكر المحامي الفرنسي موريس بوتان، في كتابه "الحسن الثاني، ديغول، بنبركة: ما أعرفه عنهم"، أن حتى الاشتراكي المهدي بنبركة، ولكي يسهل مأمورية حكومة عبد الله إبراهيم، رفيقه آنذاك في حزب الاستقلال، ثم في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، طلب من قادة الحزب الشيوعي المغربي أن يحلوا حزبهم بيدهم، إلا أنهم رفضوا ذلك.

انطلقت محاكمة الحزب مستندة في ذلك على المادة الثالثة من ظهير 15 نونبر الذي ينصّ على منع كل جمعية تؤسس "لغاية أو هدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي..". التأويلات كانت موجودة، فقد تحدثت السلطة عن أن الشيوعيين أينما استطاعوا الوصول إلى السلطة، يقيمون أنظمة تتناقض مع نظام الملكية الموجود في المغرب، وتتعارض مع المؤسسات الدينية.

خرج الحكم الابتدائي بقرار لصالح الحزب، فالمحكمة أشارت في أكتوبر 1959 إلى أن طلب حل الحزب يعتبر باطلاً، ما دامت لا تمتلك الصلاحية لمعرفة إن كان هناك حقاً انعدام التوافق بين الماركسية اللينينية والدين الإسلامي، وأن الحزب الشيوعي المغربي يؤكد في قانونه الأساسي على احترام مقدسات البلد ومؤسساته الوطنية. يقول بوتان.

بيدَ أن هذا الحكومة استأنفت هذا الحكم من جديد، ورغم أن الدفاع حاول جاهداً التأكيد على أن المحاكمة سياسية، إلا أن القضاء أصدر قرار حكم حل الحزب الشيوعي المغربي، وفي الوقت نفسه اعترف بأن الشيوعيين المغاربة كان لهم دور هام في الكفاح من أجل استقلال المغرب، وأن سجل الحزب خالٍ من أي أفعال يمكن أن يحاسب عليها !

وقد شارك في الدفاع عن الحزب الشيوعي المغربي حوالي 14 محاميا من المغرب وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا وإيطاليا ولبنان وتونس، كما حاولت النيابة العامة أن تتهم حتى محامي الدفاع بالولاء للشيوعية، ممّا دفع بموريس بوتان إلى التأكيد على أنه ليس شيوعياً، وأن مرافعته تستند على القانون أساساً.

ومن التفاصيل الغريبة التي رافقت محاكمة الحزب الشيوعي المغربي، هو أن ممثل النيابة العامة في الاستئنافية، استلهم خطاباً للملك محمد الخامس كان قد أشار فيه إلى تعارض الفكر المادي الجدلي مع الإسلام، في وقت كان فيه هذا النائب، فرنسيا مسيحياً ! وذلك وِفق ما أشار إليه عبد الله الستوكي، قيدوم الصحفيين المغاربة في حوار مع يومية المساء. كما علّق الملك الراحل الحسن الثاني في كتاب "ذاكرة ملك"، حسب ما يذكره بوتان، على الحكم بقوله:" لقد كان حكماً صائباً كل الصواب.. فما دام أن الحزب الشيوعي ذا نزعة إلحادية، فليس له حق الوجود في بلد دينه الإسلام".

ورغم هذا القرار، فالحزب الشيوعي المغربي عاد للحياة الحزبية من جديد سنة 1968، تحت اسم "التحرر والاشتراكية"، بعد المؤتمر الثالث للحزب الذي انعقد بشكل سري، ليتغير هذا الإسم هو الآخر سنة 1974، ويصير "التقدم والاشتراكية".



الأربعاء، 2 ديسمبر 2020

الشهيد عباس المسعدي

شهداء....وشهيدات: الشهيد عباس المسعدي: زوجة عباس المساعدي تكشف "لغز" اغتيال قيادي جيش التحرير هسبريس من الرباط الأحد 29 يونيو 2014 - 00:05 تخليدا للذكرى 58 لا...

تحقيق: قائد جيش التحرير عباس المسعدي من يكون؟ حيثيات اغتياله؟ كيف ولماذا؟ من اغتال الشهيد؟

كثر الحديث مؤخرا و خاصة بعد صدور الكتاب “عباس المساعدي، الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير…”،  لمؤلفه محمد لخواجة، و إثارة اسمه في مذكرات احرضان، و التهم المتبادلة علانية حول من يقف وراء اغتياله.

و من دواعي الغيرة على ذلك الرجل الكبير و تاريخه الكفاحي و دوره البارز في قيادة جيش التحرير في الشمال الشرقي للمغرب و بحثا عن الحقيقة، أجرينا تحرياتنا حول عائلة الشهيد و تمكنا من الإلتقاء بها  شهر مارس الماضي. و تحدثنا معها مباشرة حول شخصية عباس المساعدي و حيثياث اغتياله كيف؟ و لماذا؟ و من كان وراء اغتال الشهيد؟

عباس المساعدي و الريف

يعد عباس المسعدي من ابرز مؤسسي جيش التحرير و قادتها إلى جانب الصنهاجي و آخرين. قبل التحاقه بالريف كان مناضلا بارزا بالدار البيضاء مما كلفه حريته اذ اعتقل لمدة تفوق 22 يوما سنة 1953 و عذب عذابا اليما من طرف القوات الاستعمرارية الفرنسية.

شجاعته و صموده ابهر جلاديه كما أثار إعجاب و اعتزاز رفاقه لاسيما منهم الشهيد محمد الزرقطوني و ابراهيم الروداني.

غادر عباس الدار البيضاء في اتجاه جبال الريف بعد ان اقتنع بان لا خيار لإيجاد اسراتيجية بديلة لمواجهة المحتل الغاصب تعتمد على حرب تحرير طويلة النفس و ضرورة تنظيم الشعب في الجبال و البوادي لاستنزاف قوات الاحتلال.

قرر عباس الالتحاق بجبال الريف وفلاحيه الفقراء ليستقر نهائيا بين أبناء الريف الكبير، ليربط مصيره بمصيرهم في بناء جيش تحريرا لشمال والأطلس المتوسط من أجل إنجاز استقلال حقيقي للمغرب.

عباس جاء تاركا المدينة وماكريها بعد إقصاءه من طرف هؤلاء  من قيادة المقاومة المسلحة بالدار البيضاء مباشرة بعد اغتيال الشهيد الزرقطوني احد ابرز قادة جيش التحرير بالبيضاء.

وصل عباس المساعدي في 5 يوليوز1955 إلى الريف الشرقي حيث وجد هناك رجالا مسلحين شبه منظمين في مجموعات صغيرة لدى اغلبيتم تجربة قتالية مهمة اكتسبوها إبان فترة مقاومتهم  للاستعمار الاسباني بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي. كما لمس عند أغلبيتهم حساسية كبيرة اتجاه حزب الاستقلال و قيادته التي وقعت اتفاقيات إكاس ليبن ضدا على إرادة جيش التحرير و غالبية الشعب المغربي.

بعد التحاقه بالريف احتك سريعا بالسكان الريفيين وتعلم لغتهم كما شرع في بناء التنظيم على خط الجبهة الممتدة من قبائل أيت يزناسن ،أيت  صغروشن ،أيت وراين  مرورا بالناظور ومثلث الموت مرنيسة ومطالسة. و اتخذ عباس من الناظور المقر المركزي لقيادة جيش التحرير.

فبالإضافة إلى تشنج علاقته عباس المسعدي ببنبركة، فان ديناميته و حركيته المتواصلة و سفرياته المتعددة و التقائه بزعيم الثورة الريفية محمذ بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة عجلت إعلان ابتعاده وبالتالي تقديم استقالته من حزب الاستقلال وذلك بالضبط يوم 16 ماي 1956  (وثيقة رسمية).

لعنة المكر هذه  لحقته  وإطالته حتى في الريف من مليشيات تابعة لحزب الاستقلال التي كانت تريد إلحاق  جيش التحرير بالشمال الشرقي بحزب الاستقلال و لو  بالقوة.

عباس رفض ذلك العرض ولو تحت تهديد السلاح معتبرا تلك الجماعة بالكارثة، إذا سيطرت لوحدها على المقاومة ومن ثم السلطة.

و عند تعاظم دوره وشأنه تم تصفية عباس المساعدي في 27 يونيو 1956 ، وهذه المرة ليست من طرف قوات الإحلال بل من طرف بل بنيران “صديقة” التي نفذت عملية الاغتيال في واضحة النهار. و  للإشارة فان هذا الاغتيال جاء سياق الحملة الواسعة من الاختطافات و الاغتيالات التي شهدها شمال المغرب ككل شهري مايو و يونيو 1956 و التي زج بمناضلين بررة في المعتقل السيئ الذكر “دار بريشة” و التي أشرفت عليها عصابات حزب الاستقلال.

عائلة عباس المساعدي

عباس المساعدي لم يكن يوما “مقطوعا من الشجرة”، كما يضنه الكثيرون، بل كان وراءه رجال أحرار يحبونه و يحبون المغرب و المغاربة، و كذا زوجة من طينة ناذرة، تحبه و لازالت تبكي على فقدانها له رغم مرور  58 سنة على اغتياله.

زوجة كغير الزوجات، مخلصة، وفية، صامدة، ثابتة رغم تقدمها في السن. امرأة مجاهدة جربت سجون الاستعمارين الفرنسي و الاسباني. رفضت الزواج بعض اغتيال زوجها الشهيد عباس، و تفرغت طوال حياتها لتربية ابنيها و تكلفت بدراستهما حتى أصبح ابنها خليل (الابن الوحيد لعباس المساعدي) من ابرز المهندسين بالدار البيضاء اليوم.
لا نريد الدخول في تفاصيل العائلة احتراما لحرمتها، لكن ما يهمنا في هذا الموضوع هو كيف تنظر هذه العائلة إلى عباس المساعدي و إلى تاريخه الكفاحي و القتالي و إلى اغتياله و قاتليه؟

يضل عباس المساعدي  الخبز اليومي لعائلته الصغيرة. أم (زوجة عباس) ذكية متعلمة تتحدث على عباس المساعدي بكثير من الفخر و تصفه بأنه “كان خليفة لعبد الكريم الخطابي في الريف”، على حد تعبيرها بكثير من الحسرة. إنها فقدت فيه كل شيء الرجل الإنسان و الزوج و رفيق الكفاح الذي أحب وطنه المغرب و شعبه حب الجنون حتى يوم اغتياله.

ابنه خليل المساعدي، اغتيل أباه و هو طفلا صغيرا جدا لا يتجاوز عمره آنذاك 7 أشهر فقط من عمره. بالرغم من ذلك، فيتبين أن له دراية كبيرة بملف اغتيال أبيه و يعرف عنه كل صغيرة و كبيرة و دون كل شيء في ذاكرته حول أبيه. و جمع أهم الوثائق بما فيها الرسمية (كبيانات جيش التحرير و مراسلات أبيه و وثائقه الشخصية ). ابن ثابث رزين مثقف و حذر يعرف ما يقول و انه لا ينطق عن الهوى.

خليل المساعدي متزوج بامرأة محترمة، يبدو أنها مثقفة جدا تابعت الحوار الذي أجريناه مع العائلة بتأني لم تنطق إلا قليلا، لكنها لم تتدخل في تفاصلي الحوار. لهما ابنين ذكر و أنثى. الولد سماه ب “عباس” وفاء و امتنانا منهما للشهيد عباس المساعدي.

عباس الحفيد شاب يافع ذكي يحترم الضيوف و يخاطبنا ب “عمي”. كان يسمع بهدوء استجوابنا لجدته غيتة و أباه خليل. فخور بانتمائه إلى عائلة المساعدي. شاب حركي كأبناء جيله مهووس بعالم الإعلاميات و دروس الروسية.
حضر اللقاء أيضا أخت خليل من أمه و زوجها بناني اللذان تابعا أطوار  الحوار بحذر و ثبات و كثير من الثقة في النفس.

الجلسة مع العائلة كانت مطولة و دارت حول مختلف حيثيات اغتيال عباس المساعدي.

استقبلتنا عائلة المسعدي بحفاوة كبيرة و احتضنتنا كما أنهم يعرفوننا منذ زمان فبالرغم من الحذر (الذي هو أمر طبيعي في مثل هذه الحالات. و خاصة أنهم عائلة ليست كالعائلات نضرا لانتمائها لرمز من رموز الكفاح الوطني في المغرب)، لكن سرعان ما وضعت فينا ثقتها الكاملة و فتحت لنا صدرها و بدؤوا يتحدثون إلينا بتلقائية مع و ضع النقاط على الحروف طبعا.

شهادة السيدة غيتة المساعدي (زوجة الشهيد عباس المساعدي)

سنقتصر في هذا المقال الأولي/ أو ما يمكن أن نسميه ب”إعلان اللقاء مع عائلة عباس المساعدي”، على رواية غيتة المساعدي/ زوجة الشهيد عباس و شهادتها حول زوجها و كيف عاش وكيف تم تصفيته و من هم المتهمون؟
غيتة من مواليد  فاس و أباها كان عالما في القروين، و مقاوما حرا، و أجدادها من مدينة الشاون (من بينهم الكورونيل علوش الذي تم تصفيته إبان أحداث الصخيرات سنة 1971).

تحكي غيتة بان زوجها كان مطاردا من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية و سبق أن تم اعتقاله  عدة مرات من طرف السلطات الاستعمارية. مما جعله يتوجه إلى الريف ليتخندق في جبالها الشامخة و يعيش بين أبنائها، بعد أن احتضنه أبناء الشمال بصدر رحب. فبعد تركيست و  تطوان استقر عباس المسعدي سرا بالناضور و نواحيها. كان يتقن اللغة الريفية و يخاطب المقاتلين بالريفية و هو من أصول سوسية.

وجد عباس ضالته في الريف لتنظيم المقاومين هناك. و بغية الحاق غيتة بزوجها (عباس)، أرسل لها هذا الأخير مقاومة  اسمها “فاطمة التاغزوتية” إلى فاس و في خضم رحلتهما الصعبة  إلى الشمال عبر جبال الريف اعتقلتهما السلطات الفرنسية وقضتا (غيتة و المقاومة فاطمة التاغزوتية) شهرين في سجون  الاحتلال وبصمودهما جعلتهما تنجوان من حكم كان قد يكون قاسيا.

كانت غيتة المساعدي تحمل اسما حركيا و هو “خديجة” و كذبت على المحققين مصرحة لهم بأنها كانت مجرد خادمة عند عائلة في فاس (تقصد عائلتها). و ا ن أهل فاس كثيرا ما يغيرون أسماء شاغلتهم. مما جعلتهما تخرجان من السجن بالبراءة دون أن يتنبه الجيش الفرنسي أن غيتة كانت هي الزوجة الشرعية لقائد جيش التحرير بالشمال عباس المسعدي.

و بعد خروجهما واصلا طريقهما إلى تاركيست (مقر سكنى عباس آنذاك)، لكن تم توقيفهما مرة أخرى  من طرف السلطات الاستعمارية الاسبانية عند الحدود الفرنسية الاسبانية (الحدود التي رسمها المستعمرين الاسباني و الفرنسي في المغرب) لكن هذه المرة لم يقضيا إلا ليلة واحدة الاسبانية و أطلقت سراحهما بعد تدخل احد المقاومين له صلة مع عباس على حد تعبيرها.

أخيرا غيته تمكنت هذه المرة من التقاء زوجها، بطل جيش التحرير في تاركيست (و بكت كثيرا بفرحة لقاء زوجها. فرح الممزوج بالخوف من جراء المصير المجهول الذي كان  ينتظرهما).

عباس أخد زوجته إلى تطوان و بعد أيام قليلة عاد إلى الريف الأوسط و بالضبط في مدينة الناضور للاستقرار هناك في بيت سري جدا، بعيدا على أعين السلطات الاستعمارية الاسبانية و العملاء.

غيتة تحكى كيف كان تساعد زوجها و أعضاء جيش التحرير و كانت إلى جانب نساء ريفيات أخريات تحضرن بسرية الخبز و المأكل لعشرات المقاتلين من جيش التحرير.

تروي غيتة قصة الباخرة “دينا” التي أفرغت سلاحها يوما في شواطئ الناضور و كان جزءا من ذلك السلاح مخبأ في المنزل الذي تقطنه.

شخصية عباس المساعدي

تصف غيتة زوجها بأنه كان طويل القامة قوي الشخصية شديد الصرامة مع خصومه كثير الحركة و السفر.
تحدثت على خطاباته القوية الموجهة لأعضاء جيش التحرير و قدرته الفائقة على التأقلم مع المتغيرات السياسية و التنظيمية. كما تحدثت عن سفرياته و خاصة سفره إلى مصر و التقائه بمحمد بن عبد الكريم الخطابي و بصراعه المعلن و العلني مع المهدي بن بركة.

العلاقة ببن بركة

تصف علاقة عباس بالمهدي بالمتوترة جدا. فذات يوم فعباس انزل المهدي من منصة في اكنول عندما كان يخاطب أعضاء  جيش التحرير وخاصة بعد أن  أراد أن يربط في خطابه جيش التحرير بحزب الاستقلال. بل و صل به الامر إلى توجيهه صفعة   للمهدي أمام الملا.
كما سبق لعباس أن اعتقل المهدي. و تم الإفراج عنه بعد تدخل بعض قادة حزب الاستقلال. كما تحدثت على طرد المهدي بن بركة من اجتماع انعقد بمدريد أمام أعين علال الفاسي، معتبرا “أن المهدي كان ضد المقاومة المسلحة و لا علاقة له بجيش التحرير”.

عباس المساعدي و السرية

من خلال البحث الذي اجريناه يتضح بان محمد المسعدي (اسمه الحقيقي)، كان يحمل عدة اسماء حركية و عدة بطائق هوية و جوزات سفر و هذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان محمد المسعدي (عباس) كانت شخصية عالمية و يتمتع بعلاقات مهمة في الداخل و الخارج، بحيث كان يتحرك بسبعة اسماء اهمها: محمد بن عبد الله و محمد بنطاهر، و حسين بنعلي، و عبد الواهب الصفريوي…، كما كان يمتلك ثلاثة جوازات سفر مختلفة من بينها جواز السفر الذي استلمه من مصر و الاخر من يوغسلافيا تيتو … و زار عدة دول كالجزائر و تونس و مصر و اسبانيا و ايطاليا… 

لقاء عباس المساعدي بعبد الكريم الخطابي

عباس المسعدي زار القاهرة و التقى بالقائد و الأب الروحي للثورة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي و وقف عبد الكريم لتحية عباس و قال لعباس “كيف لا أقف لأحيي خليفتي في الريف” على حد تعبير غيتة الزوجة.

السلاح

تتذكر السيدة غيتا إن السلاح كان يأتي إلى جيش التحرير من مصر بحرا و شيكوسلوفاكيا (عبر روما). تحدت غيتا عن باخرة “دينا” المملوءة بالسلاح التي قدمت  من مصر و التي أفرغت حمولتها بشواطئ الناضور. أما الباخرة الثانية فتم إلقاء القبض عليها و حجزها من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية بالجزائر و هنا تتهم العائلة مباشرة احد قادة حزب الاستقلال بإخبار السلطات الفرنسية بالموضوع.

حكاية الباخرة الثانية

بالنسبة لغيتا المساعدي بان كل شيء تغير بعد التقاء عباس المساعدي بعبد الكريم الخطابي بالقاهرة. فمنذ ذلك التاريخ رفض المصريون تسليم المساعدات لعلال الفاسي، و قرروا التعامل مباشرة مع عباس المساعدي، مما دفع بعض الاستقلاليين و تذكر اسم “بلافريج” بالاتصال بالسلطات الفرنسية لإخبارها بقدوم الباخرة الثانية المحمولة بالسلاح من مصر، مما أدى إلى احتجاز الباخرة المصرية و طاقمها المصري عند عبورها للشواطئ الجزائرية.
تحدث غيتا عن اجتماعات جيش التحرير وحزب الاستقلال كانت دائما تنتهي بالتشنج و انعدام الثقة. فمثلا في تجمع اكنول عباس سيطرد المهدي بن بركة و تكرر نفس الأمر في اجتماع بمدريد.

حول اغتيال عباس المساعدي

تعترف غيتا المسعدي أن اغتيال المساعدي جاء في إطار الأجواء المشحونة التي صاحبت “استقلال المغرب”. كما تعترف بأنه كان هناك تحريض معلن من طرف بعض قادة حزب الاستقلال ضده. فمثلا تقول بان يوما كان لعباس المسعدي لقاءا مع الملك محمد الخامس في قصره. لكن قبل وصوله سبقه علال الفاسي وحذر الملك من عباس و قال له “رد بالك من عباس انه جمهوري”. و عند عودته إلى المنزل قال عباس لزوجته” أتعرفين ما قاله بولحية (يقصد علال الفاسي) لبطربوش (يقصد محمد الخامس)؟

قالت له ماذا؟

قال لها بان في لقائه مع محمد الخامس قال له هذا الأخير بان علال الفاسي  حذره منه و قال له “رد بالك من عباس، انه جمهوري”.

بالنسبة لعائلة عباس بان ليس هناك أدنى شك بان عباس المساعدي تم تصفيته من طرف بعض قادة حزب الاستقلال و تستند إلى عدة معطيات أبرزها العلاقة المتوترة جدا بين المهدي بن بركة و عباس المساعدي. بل تقول بان المهدي و من معه (تذكرهم بعضهم بالاسم) هم من خططوا مؤامرة الاغتيال من ألفها إلى يائها.
و تقول العائلة بان المسمى الغزاوي (مدير الأمن لدى المهدى بن بركة هو الذي أعطى أوامر تصفية عباس المساعدي).

قبر عباس المساعدي

عباس المسعدي تم دفنه في المرة الأولى في فاس، و بعدها تم إعادة دفنه من طرف أعضاء جيش التحرير (دون إخبار السلطات) في اكنول و قبره يوجد إلى يومنا هذا في اكنول بالريف.

خلاصة أولية

يمكن اعتبار ملف الشهيد عباس المسعدي من اخطر ملفات الاغتيال السياسي بالمغرب ويعد ملفا ملغوما وخطيرا بكل ما تعني الكلمة من معنى، يصعب الوصول لخلاصات حاسمة بالسهولة المطلوبة. و هذا ما يتطلب تعاملا حذرا مع الموضوع و العمل على جمع كل المعطيات و الشهادات. نعتبر أن شهادة العائلة ليست مهمة فحسب بل ضرورية و حاسمة في العديد من جوانب الملف، لكن لا يمكن أن نعرف الحقيقة الكاملة حول جريمة اغتيال عباس المسعدي، إلا بعد أن يتكلم القتلة الأحياء منهم و الموتى و رفع الدولة يدها عن سرية الملف.
إن الدولة تعرف كل الأسرار فهي التي تبقى عاجزة إلى يومنا هذا أن تصرح بأسماء القتلة و من يقف ورائهم و تقديم الأحياء منهم إلى العدالة لترتاح العائلة و نرتاح معها نحن جميعا.
العائلة متيقنة من أن القتلة هم بعض قادة حزب الاستقلال و من خلالهم كل من كان لهم مصلحة في تصفية جيش التحرير.

الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك)  تعاظمت نفوذه .  يصعب تحديد دوره في ذلك الاغتيال/الجريمة، لكن حضوره كان لافتا إبان فترات التحقيق و الإفراج عن القتلة بل علاقته مع أستاذه المهدي بن بركة كانت عظيمة آنذاك.
هل كان في على علم بخطة اغتيال الشهيد المسعدي؟ سؤال يحير العائلة لكنها متأكدة بان الحسن الثاني كان يعرف كل شيء حول الحدث المؤلم و لم يقم بأي شيء لمعاقبة القتلة؟؟؟؟؟

هذا السؤال يبقى مفتوحا و لا جواب عند العائلة حول الموضوع….

العائلة ضلت صامتة إلى يوم زيارتنا. فبعد التقائنا بها، خرج خليل المسعدي لأول مرة عن صمته و أجرى حوارا مطولا مع جريدة المساء. كرر فيه نفس الحقائق التي عبر عنها إبان لقائنا.

الموضوع يستحق أكثر من مقال و يتطلب بحثا دقيقا مفصلا و استجماع كل المعطيات و الشهادات الممكنة و خاصة من الذين عاشروا و عايشوا عباس.

الزعيم اليساري بنسعيد ايت يدر الذي يحترمه العديد من المغاربة إلى يومنا هذا (و الذي نكن له كل الاحترام و التقدير)، متهم اليوم علانية من طرف عائلة المسعدي بالتورط في اغتيال عباس المساعدى. نعتقد انه أنه الأوان لكي يدلي هذا الرجل بشهادته كاملة حول الموضوع و بكل تفاصيلها و يفصح عن كل ما يعرفه حول هذا الملف بعيدا عن “قوالب السياسة”، لكي لا يدينه التاريخ و يسيء لنفسه و يسقط من عيون الكثيرين، و خاصة أن الرجل متهم اليوم ليس من طرف احرضان  بل من طرف عائلة الشهيد نفسها.

و فيما يخص هذا الأخير (احرضان)، فعائلة المسعدي تنفي أن يكون لهذا الرجل أي دور في جيش التحرىر و أما الخطيب فقصة أخرى…..

و لنا عودة الى الموضوع……

تحقيق و تحرير: سعيد العمراني و جمال الكتابي