الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020

مُختفو دار بريشة بتطوان..»شيوخ» الاختفاء السياسي*يونس جنوحي*

 مُختفو دار بريشة بتطوان..»شيوخ» الاختفاء السياسي

لا تزال عائلات كثيرة في تطوان ونواحي المنطقة الشمالية وصولا إلى الريف، تنتظر أن تعرف مكان قبور الآباء والأجداد الذين راحوا ضحية الاختطاف والتحقيق والتعذيب داخل دار جنان بريشة طيلة سنة 1956. إذ كان هؤلاء المعارضون لحزب الاستقلال، والمنتمي أغلبهم إلى حزب الشورى والاستقلال، ضحية عمليات اختفاء واختطاف انتهى بوفاتهم تحت التعذيب، حيث أفادت عدد من الشهادات في جلسات الاستماع للعائلات والشهود، بأنه تم حفر قبور جماعية وفردية في أماكن متفرقة ومجهولة، للتخلص من جثامين المخطوفين.
كان اغتيال الكاتب والسياسي عبد الواحد العراقي، والذي وضع خبر اغتياله مرفوقا بصورته على صدر صحيفة «الرأي العام»، لسان حال حزب الشورى والاستقلال سنة 1956، واقعة مخزية في الوسط السياسي المغربي. إذ كان مقتله عبارة عن حرب استعرت لتطال آخرين من بعده في إطار تصفية الحسابات السياسية وتطهير الساحة من المنافسة التي يفترض «للأسف» أنها جوهر العمل السياسي.
في قضية عبد السلام الطود مثلا، أحد الأسماء التي تعتبر رموزا لقضية دار بريشة، ظهر أنه اختطف في واضحة النهار من أحد مقاهي مدينة تطوان، حيث وضع شخص دخل المقهى بشكل مفاجئ، مسدسا فوق رأس أحد الجالسين قبل أن ينبهه مرافقه بأنه وضع المسدس فوق رأس الشخص الخطأ. وسأل مرافقه مجددا: «هذا؟». ووضع المسدس فوق رأس عبد السلام الطود، ليؤكد مرافق الرجل المسلح هوية الطود ويتم اقتياده أمام أنظار الجالسين في المقهى.
سرت وقتها في تطوان سنة 1956 أخبار تؤكد أن كل الذين يتم اختطافهم يتم التوجه بهم إلى دار بريشة للتخلص منهم.
ولا تزال العائلات إلى اليوم تطالب بكشف مصيرهم. في فاتح يناير 2018، كتبنا في «الأخبار» عن موضوع دار بريشة:
«هناك اليوم مساع حقوقية ومراسلات وضعت على مكتب رئيس الحكومة، قبل أشهر فقط، تطالبه فيها بتسريع وتيرة تناول ملفات العائلات التي فقدت أبناءها منذ سنة 1956، وتطالب اليوم بكشف مصيرهم وتعويضهم عن تلك الأحداث لطي الملف نهائيا. وحسب مصادر تحدثت لـ «الأخبار» فإن بعض العائلات حصلت على وعود من رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، تتعلق بقرب البت في هذا النوع من الملفات وإنصاف العائلات التي كانت تتابع ملفات اختفاء أفرادها منذ سنة 1956.
المثير في الموضوع أن هؤلاء الذين تم اختطافهم في تلك السنة وتمت تصفيتهم جسديا سواء في تطوان أو خارجها، بعد ترحيلهم من دار بريشة عندما كانت معتقلا سريا، لا يزالون في حكم مجهولي المصير، رغم مرور حوالي ثلاثة عقود على تلك الأحداث.
ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي توجد اليوم على طاولة الحكومة، تبقى شائكة للغاية بسبب المعطيات التي تجمعها، وبسبب البُعد الإنساني لتلك الملفات».
ولا يزال الأمر قائما إلى اليوم رغم أن بعض العائلات تم استدعاؤهم إلى الرباط للنظر في ملفاتهم من جديد في عهد حكومة سعد الدين العثماني، لكن مشكلة الاهتداء إلى قبور بعض المختفين تبقى شبه مستحيلة نظرا لغياب أدلة دقيقة عن أماكن دفنهم ولو بشكل تقريبي. وهكذا يكون هذا الملف أحد أكثر الملفات حساسية في تاريخ الاختفاء السياسي في المغرب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق