في تاسع مايو سنة 1956، اغتيال عبد الواحد العراقي، كاتب فرع حزب الشورى والاستقلال بمدينة فاس وممثل العلماء في استشارات «إيكس ليبان»، والسبب كان هو دعوته، عبر أمواج الإذاعة الوطنية، إلى حل جيش التحرير.
جريدة طنجة – يونس جنوحي ( العراقي )
• عندما تطفـأ الكاميرات وبعيدًا عن أعيُـن المصـوريـــن، جَـرَت هَمَســات “للتـاريــخ” بين الملك وضُيـوفـه من المشـاهيـر في عـالـم السيـاسة و الأدب و الـريـاضـة و الفــن، وبقي أصحـابهـا، أو أبطـالـها على الأصح يحتفظـون بهـا في الطابق العلوي من الذاكرة، ولا يترددون في سردها على مسامع زوارهم، ومن جايل الراحلين منهم، بزهو يفوق بكثير مفخرة تعليق وسام على الصدر…!
كان موقفه من السياسة في المغرب، مشوبا بكثير من الخلافات مع كثير من الفاسيين الذين اختاروا الانضمام إلى حزب الاستقلال بقيادة علال الفاسي.
عبد الواحد العراقي من كبار المثقفين المغاربة، وكانت مقالاته محط اهتمام كبير في ما كان يسمى وقتها “ملتقى المثقفين المغاربة”، حيث كانت الكتابة واجهة مفتوحة أمامهم لممارسة العمل السياسي، وهو الأمر الذي كان الملك الراحل محمد الخامس يتابعه عم كثب.
كان عبد الواحد العراقي من الشبان المغاربة الذين كانوا في استقباله، رغم أنه قيد حياته تحدث عن حصار حقيقي فرض على غير المنتمين للتيار الفاسي الذي كان يسيطر على الحياة السياسية في المغرب ويتولى التنسيق بين الملك محمد الخامس ورموز المقاومة. لذلك كان لقاؤه به في القصر الملكي بالرباط رفقة وفد من الشوريين الذين نسق لهم ابن الحسن الوزاني للقاء الملك، حدثا جر عليه الكثير من الويلات بمجرد مغادرته الرباط.
لم تمض إلا سنة على احتدام المواجهات بين القطبين الحزبيين في المغرب بعد الاستقلال، حتى طالع قراء جريدة “الرأي العام” في ماي 1956 خبر مقتل عبد الواحد العراقي، ليكون الخبر صاعقا في أوساط الشوريين، ويدق ناقوس الخطر في الأوساط الأمنية بعد أن وصل الخبر إلى عدد من المثقفين الذين كانوا على علاقة بعبد الواحد العراقي، ولم يستوعبوا خبر وفاته.
كان الملك محمد الخامس قلقا، بعدما طالع الخبر. اتصل بالمدير العام للأمن الوطني الذي كان وقتها هو محمد الغزاوي، ليتبين منه ملابسات الجريمة التي راح ضحيتها واحد من ألمع الأسماء السياسية في المغرب. كانت الدماء تفور في عروق بن الحسن الوزاني، وطلب لقاء الملك محمد الخامس ليبلغه تظلمه ويشير أمامه بأصابع الاتهام إلى خصومه السياسيين بالوقوف وراء النهاية غير المتوقعة لرفيقه في الحزب.
كــان الشمـال يعرف حالة استنفار في أوساط الشوريين، واجتماعات مكثفة يقودها ابن الحسن الوزاني، الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال، حتى لا تتفاقم الأمور إلى الأسوأ، خصوصا وأن جريدة الحزب تحدثت عن حالات اختطاف تعرض لها بعض المقاومين، وتؤكد أن للأمر علاقات بالحسابات السياسية.
مقالاته قد دعا إلى ضرورة إنشاء دستور متقدم للبلاد بعد حصولها على الاستقلال، ينص على حرية التعددية الحزبية، وهو الأمر الذي لم يكن ليروق لبعض المنافسين الذين كانوا يذهبون بالمغرب في اتجاه الحزب الواحد.
وحتى عندما كان عبد الواحد العراقي يلتقي مع منافسي حزبه في فاس، فإنه كان دائما يتحاشى المواجهات الكلامية لأنها كانت تنتهي بتوتر كبير في الأجواء يترجم سريعا إلى هَجَمــات على مَقَــرات فـروع الحـزبيـن فـي بعـض المنـاطـق. لكن أن يصل الأمر إلى حد اغتياله فإن هذه النهاية لم يكن يتوقعها أحد.
غضب الملك محمد الخامس كثيرا، وفتح تحقيقا في الموضوع بدعوة من محمد بن الحسن الوزاني الذي كان محط تقدير من طرف الملك محمد الخامس والذي يثني كثيرا على أفكار عبد الواحد العراقي، حتى أن بعض الأوساط قالت إن سبب نهاية عبد الواحد العراقي هو الانطباع الجيد الذي تركه عند الملك، حيث راجت أخبار باحتمال تعيينه في منصب رفيع لتستفيد الدولة من تجاربه، وجاءت نهايته لتلغي كل شيء..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق