معارك الدار البيضاء التي سقطت من مناهج وكتب التاريخ المعاصر
مواجهة عين السبع.. كمين حديقة الحيوانات
في مساء يوم السبت 28 يوليوز 1956، استشهد محمد البقالي إلى جانب عبد الله الحداوي والعربي السامي ومصطفى بن موسى في كمين بمنطقة عين السبع قبالة حديقة الحيوانات بالدار البيضاء، كانوا عائدين من اجتماع هام بالرباط قبل أن يلاقون قدرهم المحتوم.
كان كمين حديقة الحيوانات مهيأ بدقة كبيرة، تم تجنيد عدد كبير من العاملين بالدائرة السابعة للأمن في درب البلدية بالدار البيضاء. وتمت الاستعانة بمختلف أنواع الأسلحة النارية، وأقاموا حاجزا آخر على الطريق الساحلية، وكان من ضمنهم المهدي الناموسي ومحمد الذهبي المعروف.
كانوا عائدين من العاصمة بعد اجتماع صاخب جمعهم بالمهدي بن بركة في بيت الحاج محمد حكم في حي الكزا وبيت الحاج مصطفى الورديغي بحي العكاري في الرباط، وكان الداعي إليها إصرار المهدي بن بركة على أن تنظم الهلال الأسود إلى حزب الاستقلال الساعي إلى إقامة نظام الحزب الوحيد، لكن لم يكن من السهل أن يتنازل عبد الله الحداوي ورفاقه عن كل القناعات، مما أثار شكوكا حول علاقة الكمين بالحوار الصاخب الذي تخلله مغريات من قبيل تعيين خال الحداوي وهو العربي السامي قائدا بإحدى مقاطعات الدار البيضاء، ومدى ارتباط الهجوم بالحوار الذي دار بين السلطان محمد بن يوسف والمقاوم عبد الله الحداوي، حيث التمس منه هذا الأخير وضع حد للاضطهاد الذي تتعرض له الهلال الأسود، والتنبيه إلى مخاطر بحث اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال عن سبل الاستقواء لفرض نظام الحزب الوحيد.
من دون شك كان عبد الله الحداوي يتمتع بثقة كبيرة في النفس ترجع إلى نجاحه في إسقاط عدد من رموز الوجود الأجنبي، مغاربة وأجانب، مدنيين وعسكريين، فأسعفته في دعوة السلطان إلى التزام الحذر في التعامل مع الراديكاليين من حزب الاستقلال.
حين استشهد عبد الله الحداوي كان شقيقه محمد الحداوي، لا يزال في ربيعه الرابع عشر رهن الاحتجاز بالدائرة السابعة للأمن لدرب البلدية، التي قضى بها ليلة السبت 28 يوليوز، وصباح اليوم الموالي، أي الأحد، فاقترب منه المهدي الناموسي وخاطبه: «سير فحالك را خوك عنده العرس».
أطلق اسم الشهيد عبد الله الحداوي على إحدى المؤسسات التعليمية بالحي المحمدي في الدار البيضاء، بعيدا عن مكان مقتله، أو مسقط رأسه.
معركة سيدي معروف.. حصار واستشهاد
في كتابه «شهداء وجلادون» يروي الباحث محمد وحيد تفاصيل معركة سيدي معروف، من خلال اطلاعه على وثائق فرنسية تكبد عناء مطاردتها إلى فرنسا، في محاولة منه لتسليط الضوء على هذه المرحلة الغامضة من تاريخ المغرب المعاصر التي «تحاول أكثر من جهة التعتيم عليها وتجاهلها وطمس معالمها، هي التي رسمت وجه المغرب الحالي وأعادت الاعتبار للمقاومة الشعبية المغربية، وذلك من خلال إحدى مجموعاتها الأكثر حيوية ونشاطا وهي منظمة «الهلال الأسود»، التي تعبر عن مقاومة أبناء مدينة الدار البيضاء للمحتل الغاصب والتعريف برجالاتها وأعمالهم ومنجزاتهم وفضائحهم وعائلاتهم، وذلك في شخص مؤسسي هذه المنظمة الشهيدان: محمد الحداوي، وعبد الله الحداوي»، على حد قوله.
أحاط الباحث بسيرة شهيدي منظمة «الهلال الأسود»، محمد الحداوي وعبد الله الحداوي وغيرهما من الوطنيين الشباب، رغبة منه في تحقيق الحد الأدنى من التوازن في تدوين وقائع تاريخية قفزت على معركة سيدي معروف وكمين عين السبع.
ولأن معظم عناصر «الهلال الأسود» شوريون واستقلاليون وشيوعيون ولا منتمون، فقد اتهموا بعصيان أوامر الدولة لهم، بإلقاء السلاح، وبالتآمر ضد سلامة شخصية سامية بالرباط، بينما يعترف من ظل من هؤلاء الضحايا على قيد الحياة، أنهم كانوا ضد الاحتواء الحزبي.
خلافا لما قاله أحمد البوخاري، ضابط المخابرات المغربية، فإن الشهيد محمد الحداوي لم يكن أميا، ولكن كان مقاوما بمواهب متعددة. بل إن الشهيد عبد الله الحداوي هو أكثر المقاومين استغلالا في مماته، حيث جرى التطاول على معظم عملياته، أما والدة الشهيدين المقاومة رحمة بنت محمد السامي فسميت بـ«أم الشهداء»، الحاجة إلى جانب فاطمة بنت بوشعيب، أرملة شهيد معركة سيدي معروف، حجاج المزابي، نهاية صيف 1955. شارك حجاج والحداوي في إطلاق النار على جنود سينغاليين انتقاما لضحايا درب الكبير، كما نجحا في تصفية مجموعة من بوليس الاستعمار، خاصة جان رامون بدرب كارلوطي سنة 1954، إضافة إلى تصفية مجموعة من المقدمين الخونة أبرزهم لمقدم علال في درب البلدية. قبل ساعات من مقتلهما تمت محاصرة منزل المزابي بسيدي معروف، وأصبح تحت رحمة القصف والقصف المضاد. امتد الحصار يومي 27 و28 شتنبر في حالة نادرة للعمل المسلح، لكن وعلى الرغم من قساوة المعركة رفضت زوجة حجاج تقديم أي إفادات حول المعركة خلال استنطاقها قبل أن تموت شهيدة، ونقلت الجثامين سرا إلى مقبرة سيدي عثمان.
تروي الأديبة زهرة زيراوي عن المرحلة التي اقترنت ببدايتها في نهاية فترة الاستعمار الفرنسي بالمغرب. وقالت: «كان جيران لنا هم أسرة الشهيد محمد الحداوي، استيقظنا صباحا على عرس شهيد في 19 عاما من عمره فاجأ الاستعمار الفرنسي، في شقة بحي سيدي معروف القديم، لم أر عائلته في حالة من الحزن، بل كانوا متماسكين. قمت بكتابة قصة وبعثت بها إلى مجلة «المشاهد» موقعة باسم عبد القادر زيراوي وهو أخي، نشرت القصة بالاسم المستعار وكانت موقعة سيدي معروف أول خطوة لي في مجال القصة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق