الاثنين، 23 نوفمبر 2020

اغتيالات فجر الاستقلال*إدريس ولد القابلة*

في فجر الإستقلال

 

بعد الإستقلال -والذي اعتبره البعض منقوصاً- تعالت شعارات مضللة دعت الجماهير للعفو عن الجلادين وطي صفحة الماضي الأسود للخيانة. وما هي إلا أيام قليلة وبدأت تبرزمؤشرات ذلت على أن الخونة والعملاء هم الذين كانوا أكبرالمستفيدين من الإستقلال المبثور. وبذلك، ومنذ الوهلة الأولى، ضاعت أحلام الجماهير الشعبية المغربية وذهبت تضحياتها سدى.

وهذا ما دفع، في غشت 1956 ، جملة من قادة المقاومة إلى التصريح بأنه لم يحدث أي تغيير مما كان منتظراً. ولذلك طالبوا، وبقوّة، بإنشاء محكمة استثنائية لمحاسبة الخونة والعملاء والمتآمرين على المغرب والمغاربة لتطهير الإدارة منهم وتنحيتهم جملة وتفصيلاً من مواقع القرار ومراكز التقريروكذلك استكمال الوحدة الترابية للمغرب بكامل أطرافه والمطالبة الفورية بجلاء الجيوش الأجنبية سواء الفرنسية أو الأمريكية وإصلاح الجهاز القضائي وإحترام حقوق الناس. وهي كلها أفكار تضمنها بيان المجلس الوطني للمقاومة الصادر عن مؤتمر غشت 1956.

وفي المجال الإجتماعي أكد البيان على ضرورة توزيع أراضي الإقطاعيين والملاكين الكبار والمعمرين على الفلاحين بدون أرض والذين سلبت أراضيهم عبر اغتصابها من طرف الإستعمار، لأن هذا من أبسط حقوقهم باعتبار أن العملية ماهي إلا إعادة الحقوق لأصحابها الحقيقيين تاريخيا.

إلاّ أن الأمور لم تسر على هذا النحو وإنما سارت في اتجاه لم يكن يخطر على بال الفلاحين إذ وضعت الدولة يدها على أراضي المعمرين ووهبت بعضها لخونة وعملاء الأمس القريب ولجملة من الوصوليين الذين تنكروا للتضحيات الجسيمة لأبناء الشعب المغربي. وهكذا ظل الفلاحون ينتظرون استرجاء أراضي أجدادهم التي اغتصبها الإستعمار منهم بقوّة النار والسلاح. ولازالوا ينتظرون وسوف يظلون ينتظرون باعتبار أن الأراضي المتبقية حالياً في حوزة الدولة أو الموضوعة تحت تصرف شركتي صوديا وصوجيطا فإن مآلها هو البيع بالمزاد العلني عوض توزيعها على الفلاحين بدون أرض.

ولعل هذا التوجه هو الذي نطلب من الشعب المغربي المزيد من تضحية أبنائه المخلصين من أجل التغيير وغد أفضل حتى بعد الإستقلال.

كما أن الصراعات بين الأحزاب السياسية كان لها نصيب في سقوط جملة من الضحايا. ففي 23 يناير 1956 حدتث مدبحة في سوق الأربعاء الغرب، إذ قصدها أعضاء من حزب الشورى والإستقلال آتون من وزان والرباط وسلا والدارالبيضاء بمعية فرقة من الكشفية للإحتفال بتعيين المحجوبي أحرضان عاملاً على الرباط والناحية. وهناك اشتبكوا مع أعضاء من حزب الإستقلال وكانت الحصيلة مصرع 4 ضحايا من حزب الشورى والإستقلال.

وفي 31 مارس أبريل 1956 لقي الدكتورعمر الإدريسي حتفه رمياً بالرصاص رغم عدم تعاطيه لأي نشاط سياسي، وكان قد صُفيَ خطأ مكان المستهدف الحقيقي وهو الدكتور عبد الهادي مسواك عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المغربي. وفي نفس السنة تمت تصفية محمد السطي الكاتب الجهوي للحزب الشيوعي بالدارالبيضاء ومحمد الفضالي كاتب فرع الحزب بالمحمدية.

وفي ربيع 1956 قام أعضاء حزب الشورى والإستقلال المتحالفون مع منظمة "الهلال الأسود" بعدّة إغتيالات وتصفيات استهدفت عناصر من حزب الإستقلال في أزيلال (ناحية بني ملال) وعلقوا جثتهم في الأشجار.

واستعانت السلطة بفرقة من جيش التحريرللقضاء عليهم.

وفي 9 مايو 1956 اغتيل عبد الواحد العراقي كاتب فرع حزب الشورى والإستقلال بفاس وممثل العلماء في استشارات ايكس- ليبان، وذلك لأنه نادى بحل جيش التحرير على أمواج الإذاعة المغربية.

وفي يونيو 1956 أُختطف عبد الله الوزاني الذي كان معجباً بأدولف هتلر وسبق له أن زار برلين أثناء الحرب العالمية الثانية. وقد صرح وزير الداخلية آنذاك إدريس المحمدي بإصدارأمرلاعتقاله. وبعد ذلك اختفى أثره ويرجح أنه قُتل في معتقل بريشة بتطوان.

وفي نفس الفترة أُلقي القبض على عبد السلام الطود، وكل الشهادات المتوفرة تفيد بأنه لقي نحبه في نفس المعتقل بتطوان. وكذلك الأمربالنسبة لمحمد الشرقاوي وعبد الكريم الحاتمي.

وفي 5 يوليو 1956 هاجم مسلحون إبراهيم الروداني، الوجه البارز في الحركة النقابية والمقاومة المسلحة. ولفظ أنفاسه الأخيرة في الحال. كما مات أخوه متأثراً بجراحه وكذلك أحد المارة.

وفي 25 يوليو لقي بوشعيب الزيراوي، رفيق الروداني، حتفه رمياً بالرصاص في درب البلدية بالدارالبيضاء.

وفي 28 يوليو لقي نفس المصيرلحسن الجلاوي وأحمد الشرايبي والمجاطي والمختار كندوز.

وفي 16 غشت 1956 تم اختطاف، بطنجة، رجل الأعمال عبد القادر بن عمر برادة بمعية صهره عبد الحميد بوسليخين. وكان الأول يستقطب الريفيين المقيمين بطنجة إلى صفوف حزب الشورى والإستقلال. ورغم البحث الواسع والمستمر لم يُعثر على أثرهما، ويرجح أنهما صُفيا بمعتقل بريشة بتطوان.

وفي نفس الفترة وقعت اشتباكات بين حزبي الإستقلال والشورى والإستقلال بمدينة مكناس نتج عنها قتيلاً وعدّة جرحى. وفي إطار التطاحن بين الحزبين تم اختطاف خليفة وشقيقه أحمد وعبد القادر من مقر سكناهم ولم يظهر لهم أثر رغم البحث المستفيض عنهم.

ولم يكن يمر يوم آنذاك دون معاينة اغتيالات ومواجهات بين أنصار الحزبين.

ومن ضحايا التصفيات المتبادلة بين المقاومين، هناك محمد صدقي وصالح الحريزي ومحمد حسين وعلي العيدي المعروفي ومحمد اجضاهيم وامبارك

 

بادي علال ومحمد بن عبد القادر الحريزي وأحمد بلحسن وابراهيم أوليازيد وبلمخنت عبد الرحمان وزوجته وعبد الله المديوني ومحمد بن بوشعيب المديوني وأحمد الرمضاني وبن زريويل والحبيب القدميري وثريا الشاوي وأحمد بن علي السرجان ومولاي أحمد الصقلي ومولاي علي القرواني ومحمد بن المكي (هوشي مينه).

وفي فاتح يناير 1957 سقطت عائشة المسافر بآيات باعمران وهي تطلق النار على جنود الإحتلال الإسباني في معركة بويزي.

وقد وصل الصراع والتطاحن بين حزبي الإستقلال والشورى والإستقلال أوجهما في أبريل 1959. وأُغتيل الفقيه عبد العزيز بن إدريس، وألقي القبض على الفاعلين وقُتِل واحد منهم تحت التعذيب بمخفرالشرطة وهو الحسن بن الحسن القهواجي ونُفد حكم الإعدام في حق محمد بن الحسين الملقب بالأعور.

ويعتبر الشيخ عبد العزيز بن إدريس من الفعاليات البارزة، كان ضحية لعملية اغتيال قيل أن منفيذها كانوا على علاقة بالإتحاد الوطني للقوات الشعبية وبأمر من قاداته. والشيخ عبد العزيز من مواليد 1907 حصل على عالمية القرويين سنة 1930 ، شارك في مقاومة الظهير البربري وداق السجن والتعذيب على يد البغدادي باشا مدينة فاس. وكان أحد الغيورين على العقيدة السلفية ومن دعاة الإصلاح. كما كان أحد رجالات الحركة الوطنية الأوائل ووقع عريضة المطالبة بالإستقلال في 11 يناير 1944 وعرف سجون ومنافي وتعذيب وتنكيل المستعمر.

كان يتنكر في ملابس "الحلايقية" ويتجول في أسواق الجبال ويقص في "الحلقة" القصص بجميع اللهجات، وفي ذات الوقت بين دعوته الدينية ودعايته السياسية والجهادية وينسق بين المقاومين. وقد ناهض بقوّة في فجر الإستقلال المدّ الشيوعي والحملة الفرانكوفونية التي كان يقودها مركز التبشير المسيحي في كنيسة تيومليلن بمدينة أزرو إلى أن أغتيل في 25 أبريل 1959. وقد ساهم بجانب علال الفاسي وشكيب أرسلان في تحقيق أجزاء من كتاب العبر لابن خلدون المنشور سنة 1936 بالقاهرة. وقد شارك جميع القائمين على الأمور آنذاك في التعتيم على اغتياله. وكان محمد بن الجيلالي (ميشيل لحريزي) من المثقفين المنضوبين تحت لواء الحركة التقدمية. إلا أنه سرعان ما ثم إدماجه في آليات الإدارة آ نذاك وكلفه أفقير بجملة من المهام المطبوعة بالشبهات. إلا أنه أُعتقل في 17 دجنبر 1959 ثم أطلق سراحه. إلا أنّه بعد ذلك تم اختطافه بمدينة طنجو وهو في طريقه إلى فرنسا رفقة زوجته وابنتهما. ولم يظهر لهم أثر وأضحوا من عداد مجهولي المصير.

وعموماً في السنين الأولى من الإستقلال وإلى حدود 1965 فقد الكثير من المغاربة حياتهم، حيث تم إعدام عبد الرحيم اينوس ولحسن باشوش ومحمد بلحسين وبنحمو الفاخري، وعبد الله الزناكي والمولات ادريس وأحمد تاجة ومحمد آيت عمر ومحمد بولنوار وميلود المشنتف وعبد العزيز العبدلاوي ومحمد بن أحمد وعبد السلام بن عمر وعبد الله بنحمو وعبد القادر بن المختار ومحمد بن عبد القادر ومحمد بن سي محمد وحمادي بن محمد وسعيد بن سعيد والأمين بن عبد العزيز وزروال بن محمد وعمر دهكون ومحمد بن الحسين(صبري) وآيت عمي لحسن واجدابني مصطفى وموحى نايت ومحمد حسن الإدريسي وبارو امبارك ولحسن آيت زايد وحديدو أموح وعبد الإله فريكس ودحمان نايت غريس ولحسن تاغجيجت ومحمد بن الحسين وإدريس الملياني والمهتدي محمد وبوجمعة جناح ومحمد الحجيوي وميري بوجمعة وسعيد أوخويا وموحى أحمو وغيرهم.

وفيما يخص غير الإعدامات المعلن عنها والرسمية هناك عدّة مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير وغد أفضل في ظروف أخرى. نسوق منها بعض الأمثلة.

ففي يناير 1959 سقط في أحداث الريف بفعل تدخل الطيران عشرات القتلى.

 

عن موضوع:

مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير

ومن أجل غد أفضل



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق