الاثنين، 30 نوفمبر 2020

رواية "زمن الخوف" للكنبوري تفجر البوح لدى "الشوريين"

 هسبريس من الرباط

حظيت رواية الكاتب والباحث المغربي إدريس الكنبوري، الموسومة بعنوان "زمن الخوف"، والصادرة حديثا، بلقاء نظمه "مركز محمد حسن الوزاني للديمقراطية والتنمية البشرية"، أمس بالدار البيضاء، شهد مشاركة نقاد وأكاديميين، واتسم بالبوح الذي اعترى عددا من قدماء "الشوريين".

وتناقش رواية الكنبوري اختلافات الأحزاب الوطنية السياسية بعد التخلص من التناقض الرئيسي الذي مثله الاستعمار، من خلال الحوادث الدامية التي عرفتها منطقة سوق أربعاء الغرب في يناير 1956، بين أنصار حزبي الاستقلال الشورى والاستقلال.

البادية المسكوت عنها

وقدمت اللقاء رئيسة المركز المذكور، الدكتورة حورية الوزاني، ابنة الزعيم الراحل محمد حسن الوزاني، التي قالت إنها أول مرة يخصص المركز ندوة علمية عن رواية مغربية، نظرا لما أثارته "زمن الخوف" من قضايا تستحق النقاش، بينما طالب عبد الوهاب معلمي، السفير السابق والاتحادي القديم، بتحويل الرواية إلى فيلم سينمائي.

الناقد الأدبي شعيب حليفي قدم ورقة نقدية عن الرواية، قال فيها إن "زمن الخوف" من أهم الروايات التي صدرت في المغرب في الفترة الأخيرة، لأنها نبشت في سجل وقائع تاريخية مهجورة طواها النسيان.

ووزع الباحث ذاته ورقته إلى قسمين، قسم سياسي درس فيه الجوانب المرتبطة بالوقائع التاريخية التي تتحدث عنها الرواية، إذ بين كيف أن الأحداث داخل النص تطورت بشكل طبيعي، إلى أن وصلت إلى نهاية مفتوحة، قائلا إن الكنبوري ربما تعمد ترك هذه النهاية مفتوحة لكي يشرك القارئ في رسم المستقبل.

وتحدث حليفي عن العلاقة بين الرواية والتاريخ، وأوضح أن "زمن الخوف" حققت شكلا روائيا متميزا، يحافظ على البنية الفنية والأدبية، وفي الوقت نفسه يترجم الحادثة التاريخية بشكل سلس؛ بينما قال الناقد في ما يخص الجانب الفني إن الرواية تضمنت صورا فنية وشعرية تتجاوب مع تقنية الحكي في الرواية.

محمد معروف الدفالي، المؤرخ ومدير مجلة "أمل" التاريخية، قدم المؤلف بأنه "غني عن التعريف" كباحث في الظاهرة الدينية، وقال إن رواية الكنبوري هي أول رواية مغربية تتعرض لموضوع القرية في علاقتها بالاستعمار، إذ إن جميع الأعمال السابقة، أدبية أو تاريخية، كانت تركز على دور المدينة في الحركة الوطنية.

وأضاف الدفالي أن الكاتب نجح في نقل الأجواء التي عاشها المغرب في مرحلة ما بعد الاستقلال، خاصة من 1956 إلى 1972، وهي المرحلة الساخنة التي طبعتها التصفيات السياسية، موردا أن الصراع في الراوية يتعلق بقبيلتين، هما بوحزيطات، التي كانت مع الشورى والاستقلال، والحشالفة التي كانت مع حزب الاستقلال.

وأما الكنبوري فتحدث عن ظروف كتابة الرواية، والخلفية التاريخية والثقافية التي دفعته إلى اختيار الموضوع، والصعوبات التي وجدها في الحصول على الوثائق والمعطيات، قائلا إن المعطيات حول أحداث مذبحة سوق الأربعاء قليلة جدا، لأن اختفاء حزب الشورى والاستقلال شكل اختفاء لمجموعة من الوثائق والأرشيفات.


وقال الكاتب ذاته إنه حاول أن يسلط الضوء على هذه الحقبة، نظرا للسكوت الذي طالها، خصوصا أنه ابن المنطقة التي جرت فيها تلك الأحداث، إيمانا منه بأن التاريخ الوطني المشترك هو مجموعة من التواريخ المحلية، وأن الكتابات التي كتبت عن الحركة الوطنية ركزت بشكل كبير على المدن على حساب القرية.

"نوستالجيا" شوريين

وشهدت الندوة ذاتها حضور عدد من الباحثين والمهتمين بالتاريخ المغربي، خاصة من قدماء "الشوريين" وأبنائهم، وقدمت فيها مداخلات وشهادات تطرقت إلى المرحلة التي تدور حولها الرواية.

وروى أحد الشهود، وهو من مواليد 1933، وكان مسؤولا في الحزب بالبيضاء، أنه بعد مذبحة سوق الأربعاء ـ موضوع الراوية ـ اجتمع الشوريون من كل أنحاء المغرب، وقرروا الانتقام، فعقدوا اجتماعا مع الوزاني في فندق الريف بالدار البيضاء، وطلبوا منه أن يمكنهم من السيارات والأسلحة لكي يجمعوا رجال الشوريين وينتقموا لما حصل، لكن الوزاني رفض وقال لهم: لا نريد حربا أهلية في المغرب.

شخص آخر من فكيك، حكى كيف أن جزائريين مرتزقة كانوا يدخلون التراب المغربي إلى وجدة وفكيك، وينفذون جرائم قتل في صفوف الوطنيين والشوريين لحساب جهات معروفة، ثم يعودون إلى الجزائر، وهم قتلة مدفوعو الأجر، ساردا كيف أن المهدي بن بركة تنكر في هيئة عبد أسود )حرطاني(، ودخل من الجزائر متخفيا، وتسلل وسط المقاومين في وجدة، للتجسس عليهم.

وقال أحد الشوريين القدماء إن حقبة الخمسينيات شهدت الكثير من المذابح، بدأت مع مذبحة سوق أربعاء الغرب، التي قتل فيها العديد من الأطفال والرجال بطريقة شبيهة بما تقوم به "داعش" اليوم، وانتهت مع جرائم القتل التي حصلت بعد انفصال حزب الاستقلال عام 1959.

واستطرد المتحدث بأنه حصل صراع كبير بين الاستقلاليين الذين كان يتزعمهم علال الفاسي، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان يقوده المهدي بن بركة، حول مقرات حزب الاستقلال، التي كان يريد أتباع بن بركة السيطرة عليها في جميع المدن المغربية.

وأكمل الشوري المخضرم بأن بن بركة كان وراء العديد من المذابح والاغتيالات، ومن بينها اغتيال الفقيه عبد العزيز بن إدريس في نواحي مراكش، واغتيال عبد الواحد العراقي، كاتب فرع حزب الشورى والاستقلال بفاس، وممثل العلماء في مفاوضات "إيكس ليبان".



إدريس الكنبوري ضيفاً في راديو بلوس للحديث عن رواية " زمن الخوف"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق